– كلمات في الدعوة إلى الله –
– ذم الكِبْر –
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد:
أخي المسلم: إن من الصفات المذمومة ، والمحرمة شرعاً ، صفة الكِبْر ، قال تعالى: (إنه لا يحب المستكبرين) وقال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال مخور)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كِبْر) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنه ، قال: (إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر: بطرُ الحق وغمطُ الناس)
رواه مسلم(٩١)
وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (ألا أخْبِركم بأهل النار؟ كل عُتُل جَوَّاظ مُستكبر)
رواه البخاري(٤٩١٨) ومسلم(٢٨٥٣)
والعتل هو الشديد ، والجواظ هو سيء الأخلاق ، والمستكبر هو الذي عنده كبر.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه قالا: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (العِز إزارُهُ والكبرياء رداؤُهُ فمن يُنازعني عذبتُه)
رواه مسلم(٢٦٢٠)
قال الحافظ النووي في شرح مسلم(١٥٥٩): قوله(فمن ينازعني عذبته) هذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه.اهـ
– والكبر ضد التواضع وهو الترفع على الناس واحتقارهم.
وهو فرع من العُجُب ، والعجب هو إعجاب الإنسان بعمله.
وكلاهما محرم ، ونص الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر(٩٢) أن الكِبر والعُجب من كبائر الذنوب.
– والكبر نوعان:
الأول: كبر على الحق ، وهو عدم قبول الحق ورده.
الثاني: كبر على الخلق ، وهو الترفع على الناس واحتقارهم.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الكبر: بطرُ الحق وغمطُ الناس) رواه مسلم(٩١) عن ابن مسعود.
قوله(الكبر بطر الحق) هذا ترفع على الحق.
وقوله(وغمط الناس) هذا ترفع على الخلق.
قال العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين(٢/٥١٤): الذي في قلبه كبر:
إما أن يكون كبراً عن الحق وكراهة له ، فهذا كافراً مخلد في النار ولا يدخل الجنة ، لقول الله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) ولا يحبط العمل إلا بالكفر.
وإما إذا كان كبراً على الخلق وتعاظماً على الخلق
فهذا لا يدخل الجنة دخولاً كاملاً مطلقاً لم يسبق بعذاب.اهـ
– الأسباب التي تدعو إلى الكبْر:
الأسباب التي تدعو إلى الكبر كثيرة منها:
– أولاً: التكبر بسبب كثرة العلم.
وهو أن يكون الإنسان أعطاه الله علماً ، فيتكبر على الناس بعلمه ، وينظر للآخرين بأنهم أهل جهل وقصور وأنه هو العالم ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
قال وهب بن منبه: (إن للعلم طغياناً كطغيان المال) رواه ابن حرب في كتاب العلم(١٠٣) وفي سنده رجل لم يسم ، ويشهد له قوله تعالى: (إن الإنسـٰن ليطغى أن رءاه استغنى) أي استغنى بماله وعلمه وغيرهما.
وقال الحافظ الذهبي في الكبائر(٩٥): وأشر الكبر من تكبر على العباد بعلمه ، وتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه.اهـ
فالعلم الذي يدعو صاحبه إلى الكبر علم ضار ليس بنافع ، لأن العلم النافع هو الذي يدعو صاحبه إلى التواضع وعدم الكبر.
– ثانياً: التكبر بسبب كثرة المال.
وهو أن يكون الإنسان أعطاه الله مالاً ، فيتكبر على الناس بماله ، وينظر إلى الناس أنهم فقراء ومساكين وأنه هو الغني ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
قال تعالى: (إن الإنسـٰن ليطغى أن رءاه استغنى)
– ثالثاً: التكبر بسبب كثرة الأعمال الصالح.
وهو أن يكون الإنسان مكثراً من الأعمال الصالحة ، فيتكبر على الناس بعمله ، وينظر إلى الناس أنهم أهل تقصير في عباداتهم وأنه هو العابد الزاهد ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
رابعاً: التكبر بسبب المناصب العالية.
وهو أن يكون الإنسان أعطاه الله منصباً عالياً ، فيتكبر على الناس بمنصبه ، وينظر إلى الناس أنهم دونه في المنصب وأنه هو صاحب المرتبة العالية ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
– خامساً: التكبر بسبب الصحة البدنية.
وهو أن يكون الإنسان أعطاه الله صحة بدنية في جسمه ، فيتكبر على الناس بصحته ، وينظر إلى الناس أنهم دونه في الصحة والعافية وأنه هو القوي ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
– سادساً: التكبر بسبب الحسب والنسب.
وهو أن يكون الإنسان أعطاه الله حسباً ونسباً ، فيتكبر على الناس بحسبه ونسبه ، وينظر إلى الناس أنهم دونه في الحسب والنسب وأنه هو صاحب النسب الرفيع ، فيتعاظم في نفسه ويتكبر.
– أخي المسلم: اعلم أن التكبر لا يأتي بخير ، والخير كل الخير في التواضع ، فمن احتقر الناس احتقروه ، ومن تواضع للناس رفعوه.
قيل لأحد المتكبرين ، ماذا ترى الناس؟ قال: لا أراهم إلا مثل البعوض!
فقيل له: وهم يرونك كذلك ، أي مثل البعوض.
وقيل لأحد المتواضعين ، ماذا ترى الناس؟ قال: أراهم خير مني ، فقيل له: وهم يرونك كذلك ، أي خير منهم.
قال الحافظ ابن حبان في روضة العقلاء(٩٣): ما رأيت أحداً تكبر على من دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه.اهـ
– فالواجب على من ابتلي بداء الكبر ، أن يُفكر في عيوبه ، وأنه عبد ضعيف لا حول له ولا قوة ، وأنه ميت لا محالة ، ولا ينفعه في الآخرة كبره الذي يتكبر به ، بل هو وبال عليه والعياذ بالله.
كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر
٧ جمادى الأول ١٤٣٨هـ