كلمات في الدعوة إلى الله – الحكمة من الصيام

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الحكمة من الصيام:

-أيها الأخوة: إن الله عزوجل شرع الصيام لحكمة عظيمة ، بينها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه ، هي تحقيق تقوى الله ، قال تعالى: (يـٰأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
فالحكمة من الصيام هي تحقيق تقوى الله عزوجل ، كما قال ربنا عزوجل (لعلكم تتقون) فالصيام سبب لحصول التقوى ، والتقوى هي فعل المأمور وترك المحذور ، فمن فعل ما أمر الله عزوجل به ، وما أمر به رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وترك ما نهى الله عزوجل عنه ، وما نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقد اتقى الله عزوجل.

-ومن العجب ، أن ترى كثيراً من الناس لا يعرفون حقيقة التقوى ، فتراهم يمسكون عن الطعام والشراب ، ولا يمسكون عن الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام الماجنة وغيرها من المحرمات ، يظنون أن الصوم هو الإمساك عن المفطرات بنية من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس فقط ، دون الإمساك عن سائر المحرمات التي حرمتها الشريعة الإسلامية ، جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ليس الصيام من الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو والرفث)
رواه ابن خزيمة في صحيحه(١٩٩٦) وصححه ابن حبان(٣٤٧٠) والألباني في صحيح الترغيب(١٠٨٢)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (الصيام جُنة ، فلا يرفث ولا يجهل ، وإن امرُؤ قاتلة أو شاتمة فليقل: إني صائم مرتين)
رواه البخاري(١٨٩٤) ومسلم(١١٥١)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تساب وأنت صائم ، فإن سابك أحد فقل: إني صائم)
رواه ابن خزيمة في صحيحه(١٩٩٤) وابن حبان في صحيحه(٣٤٧٤)

ويروى عن عمر رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه قالا: (إن الصيام ليس من الطعام والشراب ، ولكن من الكذب والباطل واللغو ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف(٨٨٨٤)و(٨٨٨٢)

فليس الصيام مجرد الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وجماع وغيرها من المفطرات ، بل هو الإمساك عن المفطرات وسائر المحرمات.

لأن المحرمات من غيبة ونميمة وكذب وغيرها ، تنقص آجر الصائم ، فليس أجر من إمساك عن المفطرات وسائر المحرمات ، كأجر من أمسك عن المفطرات ولم يمسك عن المحرمات.
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامَه وشرابه)
رواه البخاري(١٩٠٣) وفي رواية لابن حبان في صحيحه(٣٤٧١): (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل…)

قال ابن حجر في الفتح(٤/١٤٠): قال ابن العربي: مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذُكر لا يثاب على صيامه.اهـ

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رُب صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش)
رواه أحمد(٢/٣٧٣) وصححه ابن خزيمة في صحيحه(١٩٩٧) وابن حبان في صحيحه(٣٤٧٢) والهيثمي في المجمع(٥٢٣٢) والسيوطي في الجامع الصغير(٤٣٨٧) والألباني في صحيح الجامع(٣٤٨٨)
وحسنه الوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(١٣٧٢)

قال الصنعاني في التنوير(٦/٢٢٤): هذا محمول على من لم يخلص النية ، أو من لا يجتنب قول الزور والكذب والبهتان والغيبة ونحوها من المناهي فيحصل له الجوع والعطش ولا يحصل له الثواب.اهـ

وقال العلامة ابن عثيمين في الباب المفتوح(١/١١٦): يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي ، لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم ، لقول الله تبارك وتعالى: (يـٰأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) لم يقل: لعلكم تجوعون ، أو لعلكم تعطشون ، قال: (لعلكم تتقون) هذا هو المقصود الأول من الصوم ، وحقق النبي عليه الصلاة والسلام ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عزوجل ، هذا هو الصوم الحقيقي ، أما الصوم الظاهري: فهو الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عزوجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)
هذا الصوم الظاهري صوم البدن ، أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول فهو الصوم عن معاصي الله عزوجل.
وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهرياً جسدياً ولكنه لم يصم صوماً قلبياً ، فإن صومه ناقص جداً جداً.اهـ

-أيها الأخوة: على صائم أن يحفظ صيامه عما يجرحه ، يحفظ لسانه عن المحرمات ويحفظ سمعه عن المحرمات ويحفظ بصره عن المحرمات ، يروى عن جابر رضي الله عنه قال: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك) رواه ابن أبي شيبة(٨٨٨٠)

قال الإمام ابن قدامة في المغني(٤/٤٤٦):
ويجب على الصائم أن يُنزه صومه عن الكذب والغيبة والشتم ، قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يُماري ويصون صومه ، كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا. ولا يغتاب أحداً ولا يعمل عملاً يجرح به صومه.اهـ

وعلى الصائم أن يسأل ربه عزوجل أن يتقبل منه صيامه وسائر أعماله الصالحة ، كما سأل ذلك إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام ربهما أن يتقبل منهما ، وهما يبنيان الكعبة ، قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(١/٢٠٤): قوله(ربنا تقبل منا) فهما في عمل صالح وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما.
وعن وهيب بن الورد رحمه الله أنه قرأ (ربنا تقبل منا) ثم بكى وقال: يا خليل الرحمن ، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشفق أن لا يتقبل منك.اهـ

-كتبه:
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

١٢ رمضان ١٤٣٨هـ