-كلمات في الدعوة إلى الله:
-وصية النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه.
عباد الله: كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، يحرصون على طلب الوصية من النبي عليه الصلاة والسلام.
والوصية: هي العهد إلى الشخص بأمر هام.
ولا تُطلب الوصية إلا من أهل الخير والصلاح أهل التقى والعفاف والفلاح.
جاء في الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أوصني ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (اعبدِ اللهَ ولا تشرك به شيئًا ، واعملْ لله كأنك تراه ، واعْدُدْ نفسَك في الموتى ، واذكرِ اللهَ تعالى عند كلِّ حجر وكلِّ شجر ، وإذا عملتَ سيئةً فاعمل بجنبها حسنةً السرُّ بالسرِّ والعلانيةُ بالعلانيةِ)
رواه الطبراني في المعجم الكبير(٢٠/١٧٥)
والبيهقي في الشعب(٥٤٨)
وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب(٤/٤٨)
وحسنه السيوطي في الجامع الصغير(١١٣١)
وحسنه الألباني في صحيح الجامع (١٠٤٠)
-اشتمل هذا الحديث العظيم على عدة وصايا هي من أنفع الوصايا وأفضلها:
-الوصية الأولى: الوصية بالتوحيد والبراءة من الشرك ، (اعبد الله ولا تشرك به شيئاً)
والتوحيد: هو إفراد الله بالعبادة ، وهو أعظم الفرائض ، وهو الذي خلق الله الخلق لأجله ، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
وهو الذي بعث الله له الرسل ، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا واجتنبوا الطـٰغوت)
وهو أول أمر ، أمر الله عزوجل به في كتابه ، قال تعالى في أول سورة البقرة(يـٰأيها الناس اعبدوا ربَّكمـ الذي خلقكمـ والذين من قبلكمـ لعلكمـ تتقون).
وهو حق الله على العبيد ، كما في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب مَن لا يُشرك به شيئاً) رواه البخاري(١٢٨) ومسلم(٣٢)
والتوحيد أعظم الحسنات ، قال شيخ الإسلام في الفتاوى(١١/٢٥٢): أعظم الحسنات التوحيد.اهـ
وضد التوحيد الشرك ، وهو صرف العبادة لغير الله. وهو أكبر الكبائر ، وأعظم الذنوب ، قال شيخ الإسلام في الفتاوى(١١/٢٥٢): أعظم السيئات الشرك.اهـ
وهو الذنب الذي لا يغفر الله عزوجل لمن مات عليه
قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وهو الذنب التي يحبط العمل ، قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)
والشرك أول نهي ، نهى الله عزوجل عنه في كتابه ، قال تعالى في أول سورة البقرة(فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتمـ تعلمون).
-والوصية الثانية: الوصية بإخلاص العمل لله عزوجل ، (وعبد الله كأنك تراه)
والإخلاص: مأخوذ من الخلوص وهو التصفية ، والمراد منه: تصفية العمل من الشرك والرياء.
وهو شرط من شرطي قبول العمل ، قال تعالى: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص)
وقال تعالى: (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين)
وقال تعالى: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).
وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغي به وجهه) رواه النسائي(٢٩٤٣)
وحسنه العراقي في تخريج الإحياء(٤/٣٢٨)والألباني في الصحيحة(٥٢)
قال ابن رجب في الجامع(٢٥): سنده جيد.اهـ
-والوصية الثالثة: الوصية بالعمل للآخرة والزهد في الدنيا ، (وعدد نفسك في الآخرة) ، أي أنك ميت لا محالة ، قال تعالى: (كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) رواه البخاري(٦٤١٦) وفي رواية للترمذي(٢٣٣٣)عنه(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعُد نفسك في أهل القبور).
قال العلامة المناوي في فيض القدير(٢/١٨٧): قوله(واعدد نفسك في الآخرة) أي وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى تبقى من أهلها ، وأنك جئت إلى هذه الدنيا كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترجلت مقبلة ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا حمل.اهـ
-والوصية الرابعة: الوصية بذكر الله عزوجل.
(واذكرِ اللهَ تعالى عند كلِّ حجر وكلِّ شجر)
المراد اذكر الله على كل حال ، وعود لسانك الإكثار من ذكر الله ، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين يكثروا من ذكره ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا)
قال الحافظ ابن صلاح كما في الأذكار(١٠) :
من حافظ على أذكار الصباح والمساء و أذكار بعد الصلوات و أذكار النوم عدّ من الذاكرين اللّٰه كثيراً.اهـ
وبيّن ربنا عزوجل أن من صفات المنافقين: لا يذكرون الله إلا قليلاً.
قال تعالى: (إن المنـٰفقين يخـٰدعون الله وهو خـٰدعهمـ وإذا قاموا إلى الصلوٰة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً).
عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) رواه البخاري(٦٠٤٤)
وكثرة الذكر تزيد الإيمان والغفلة تنقص الإيمان ، قال عمير بن حبيب الأنصاري رضي الله عنه قال: (إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادة الإيمان ، وإذا غفلنا فذلك نقصانه) رواه أبو عثمان النيسابوري في عقيدة السلف(٢٦٦)
-قال الإمام ابن القيم في الوابل الصيب(٥٠): صدأ القلب بأمرين: الغفلة والذنب ، وحياة القلب بشيئين: الاستغفار والذكر.اهـ
-والوصية الخامسة: الوصية بالمسارعة إلى العمل الصالح لمن وقع في معصية ، (وإذا عملتَ سيئةً فاعمل بجنبها حسنةً السرُّ بالسرِّ والعلانيةُ بالعلانيةِ)
أي إذا عملت سيئة صغيرة فاعمل بعدها حسنة تمحها ، لأن الحسنات يذهبن صغائر السيئات ، وأما كبائر الذنوب فلابد لها من توبة ، فمن عمِل سيئة صغيرة سرية فقابلها بحسنة سرية ، وإن عمل سيئة صغيرة علانية فقابلها بحسنة علانية.
قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات)
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أتبع السيئة الحسنة تمحها)رواه الترمذي(١٩٨٧) وصححه ، وصححه الحاكم(١/٥٤)، وحسنه الألباني في الترغيب(٢٦٥٥)
وله شاهد عن معاذ رواه أحمد(٢١٩٨٨)وحسنه الألباني في الترغيب(٣١٦٠)
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: (إذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحها) قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات ، لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل الحسنات) رواه أحمد(٢١٥٢٥)وقال الألباني في الصحيحة(١٣٧٣):صحيح بمجموع طرقه.اهـ
-فحري بالمسلم أن يتمسك بهذه الوصية العظيمة النافعة التي أوصى بها النبي عليه الصلاة والسلام معاذاً رضي الله عنه.
كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد
٢٥ شوال ١٤٣٨هـ