-كلمات في الدعوة إلى الله.
-الكلمة/ شرح حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه).
الحمدُ لله وحده والصلاةُ والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من حُسن إسلام المرء تركُهُ ما لا يَعنيه)
رواه الترمذي(٢٣١٧) وابن ماجه(٣٩٧٦) وصححه ابن حبان(٢٢٩)وابن عبدالبر في التمهيد(٩/١٩٥)
وحسنه النووي في الأربعين(١٢) وابن بدران في شرح الشهاب(٢٩٢) وصححه الألباني في سنن الترمذي(٢٣١٧)
هذا الحديث حديث عظيم ، وهو أصل من أصول الآداب الشرعية.
قال بعض العلماء: جماع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث ، وذكر منها حديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
-ومعنى قوله(من حسن إسلام المرء) يعني أن من بعض كمال دين المرء وتمامه ، (تركه ما لا يعنيه) ، وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة
أن الدين يكون تاماً ويكون ناقصاً. فمن تمام دين المرء (تركه ما لا يعنيه) من الأقوال ومن الأفعال. الأقوال كالكلام في أمر لا يعنيه ولا ينفعه ، والأفعال كالاستماع لحديث لا يعنيه ولا ينفعه.
فمن تمام دينه تركه ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال.
ومن نقصان دينه عدم تركه ما يعنيه من الأقوال والأفعال.
قال العلامة الفوزان في شرح الأربعين(١٤٥): ومما يُنقص دين الإنسان أنه يتدخل فيما ليس من شُؤُونه وما ليس من اختصاصه ولم يُوكل إليه لا من ناحية الشرع ولا من الخَلق ، والذي ينبغي على الإنسان أن يعتني بدينه ولا يعتني بما ليس له فيه فائدة ، أو ليس مُكلفاً بالبحث فيه فبذلك يستريح ويُريح الناس أيضاً.اهـ
-عباد الله: إن الخير كل الخير في اهتمام المرء بما يعنيه وينفعه في دينه ودنياه ، والشر كل الشر في اهتمام المرء بما لا يعنيه ولا ينفعه في دينه ودنياه.
قال أحد السلف: من تكلم فيما لا يعنيه ، سمع ما لا يرضيه.
وقال آخر: مَن علم أن كلامَه من عملِه قل كلامُه إلافيما يَعنيه.
وقال الحسن رحمه الله: (من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شُغلَه فيما لا يعنيه) رواه أبو عبيد كما في المعين لابن الملقن(١٦٩)
قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم)يعني أنه لا خير في كثير من كلام الناس الذي يتكلمون به في مجالسهم العامة والخاصة ، (إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) فاستثناء ربنا عزوجل من كلام الناس ، الكلام الطيب الذي لا إثم فيه ولا وزر.
جاء عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله كره لكم قيل وقال)رواه البخاري(٥٩٧٥)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح(١٠/٤٢١): قيل وقال: من قولهم قيل كذا وقال كذا.اهـ
-وهذا حال كثير من الناس ، ممن يتكلمون في شؤون الأخرين ، آل فلان حصل عندهم كذا وكذا ، وآل فلان في بيتهم كذا وكذا ، وفلان قال كذا ، أو ماذا قال ، أو فلان فعل كذا أو ماذا فعل ، فيتدخل في شؤون الآخرين التي لا تعنيه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (أكثر خطايا ابنِ آدم في لسانه) رواه الطبراني(٣/٧٨) وابن أبي الدنيا في الصمت(١٨)
قال المنذري في الترغيب والترهيب(٤/٨): رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.اهـ
وحسنه الألباني في صحيح الجامع(١٢٠١)
-عباد الله: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
دل بمنطوقه أن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من أمر الدين والدنيا في الأقوال والأفعال.
ودل بمفهومه أن من حسن إسلام المرء اهتمامه بما يعنيه من أمر الدين والدنيا في الأقوال والأفعال.
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (احرص على ما ينفعك)رواه مسلم(٢٦٦٤)
وفي لفظ لابن حبان(٥٦٩٢): (فاحرص على ما تنتفع به).
والحرص هو بذل الجهد لنيل ما ينتفع من أمر الدين وأمر الدنيا ، والمسلم يحرص أشد الحرص على ما ينفعه ، ويبتعد عما لا ينفعه.
قال الإمام مالك في الموطأ(١٩٢١): قيل للقمان ، ما بلغ بك ما نرى؟ يُريدون الفضل. فقال لقمان: (صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني).
فكل ما لا يعني المرء المسلم من الأقوال ومن الأفعال التي ليس فيها نفع له في دينه ولا في دنياه ، فإن تركها من الأدلة على حسن إسلامه.
وراحة لنفسه وحفظاً لوقته وسلامة لعرضه.
فعلى المرء المسلم أن يجعل عمله دائماً فيما ينفعه ، ويجتنب ما لا نفع له به.
-كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
١٥ محرم ١٤٣٩هـ