– كلمات في الدعوة إلى الله.
– الكلمة رقم(٥٨): البيوع المنهي عنها.
أيها الأخوة: إن مما ينبغي على المسلم أن يتعلمه لا سيما المشتغل بالتجارة بالبيع والشراء معرفة أحكام البيوع ما يحل منها وما يحرم ، والأصل في البيوع الحل والإباحة قال تعالى: (وأحل الله البيع) فالأصل في كل بيع أنه حلال ، لعموم قوله عزوجل: (وأحل الله البيع) إلا ما دل الدليل على تحريمه ، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع على حرمة بعض البيوع ، وهي:
-منها: البيع الذي فيه ربا ، سواء كان ربا فضل وهو الزيادة في القرض أو ربا نسيئة وهو تأخير القبض في الأصناف الربوية ، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا)فالربا محرم ، وهو
من كبائر الذنوب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ وذكر(وأكل الربا)رواه البخاري(٢٧٦٦) ومسلم(٨٩)
-ومن البيوع المحرمة: البيع بعد الأذان الثاني يوم الجمعة ، لقوله تعالى: (يـٰأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوٰة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) واللفظ عام يشمل المقيم والمسافر والرجل والمرأة ، فالجميع يحرم عليهم البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(١٨٧٤): قوله(وذروا البيع) أي اتركوا البيع إذا نودي للصلاة ، ولهذا اتفق العلماء على تحريم البيع بعد النداء الثاني. وقوله: (ذٰلكم خير لكم إن كنتمـ تعلمون) أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة خير لكم أي في الدنيا والآخرة.اهـ
-وقاس بعض العلماء بقية الصلوات الأخرى على صلاة الجمعة ، وهو مذهب الحنابلة كما في الإقناع(٢/١٨٠) والمنتهى(٢/٢٧٨)
قال تعالى: (رجال لا تُلهيهم تجـٰرة ولا بيع عن ذكر الله وإقامـ الصلوٰة)
ويستثنى من النهي من اضطر إلى الشراء ، كأن يضطر إلى شراء طعام يأكله أو شراب يشربه أو ملابس يستر بها عورته ، لقوله تعالى: (إلا ما اضطررتُم إليه) فيجوز للمضطر شراء ما يزيل به الضرورة.
– ومن البيوع المحرمة: كتمان عيب في السلعة ، كأن يبيع شخص لآخر سلعة بها عيب ، ولا يبين العيب للشاري ، وهذا غش وخديعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعُهُ بللاً ، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله ، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ، من غش فليس مني) رواه مسلم(١٠٢)
-قوله(مَن غش) هذا عام ، يشمل كل غش سواء كان قليلاً أو كثيراً ، لأن مَن مِن ألفاظ العموم عند الأصوليين.
قال العلامة ابن عثيمين في التعليق على مسلم(١/٣٠٧): هذا الحديث يدل على أن الغش من كبائر الذنوب.اهـ
وقال العلامة ابن عثيمين أيضاً في شرح الرياض(٤/٢٧٨): وهنا مسألة يتخذها بعض الناس والعياذ بالله وهي حرام ، يبيع الشيء ويعرف أن فيه عيباً ، ثم يقول للمشتري ، ترى ما بعت عليك إلا ما أمامك ، وهو يعلم أن فيها العيب الفلاني لكن لا يذكره خداعاً ، والعياذ بالله ، لأنه لو ذكره نقصت القيمة ، فإذا لم يذكره صار المشتري متردداً يحتمل فيها عيب ويحتمل ما فيها عيب ، فيدفع ثمناً أكثر مما لو علم بالعيب المعين ، وهذا الذي باع على هذا الشرط ولو التزم المشتري بذلك إذا كان بها عيب حقيقة فإنه لا يبرأ منه يوم القيامة، فالواجب إذا علمت في السلعة عيباً أن تبين أن فيها العيب الفلاني.اهـ
-ومن البيوع المحرمة: بيع ما يتوصل به إلى محرم ، كأن يبيع العنب لمن يتخذه خمراً ، أو يبيع السلاح لمن يريد قتل مسلم ، أو يبيع السلاح في الفتنة ، وغير ذلك.
وهذا محرم ولا يجوز ، لعموم قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم: (كل ما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم).
ومن البيوع المحرمة: بيعه على بيع أخيه ، كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة آلاف: أنا أُعطيك مثَلَها بتسعة. ويحرم أيضاً شراؤه على شراء أخيه ، كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: بعها علي بعشرة ليفسخ عقد الأول ويعقد معه.
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) رواه البخاري(٥١٤٢)ومسلم(١٤١٢)
وعن ابن عمر رضي الله عنه أيضاً عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يبع الرجل على بيع أخيه) رواه مسلم(١٤١٢)
ومن البيوع المحرمة: بيع الغرر والجهالة ، كأن يبيع معدوماً أو يبيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وبيع الثمر قبل بُدو صلاحه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر)رواه مسلم(١٥١٣)
وقال ابن مسعود: (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)رواه أحمد مرفوعاً(١/٣٨٨) والبيهقي في السنن(٥/٣٤٠)موقوفاً وصححه وقفه.
قال الحافظ النووي في شرح مسلم(٤/١٥١٣): أما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن وبيع بعض الصبرة مبهماً وبيع ثوب من أثواب وشاة من شياه ونظائر ذلك وكل هذا بيعه باطل.اهـ
-ومن البيوع المحرمة: بيع العينة ، وهو أن يبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل ثم يشتريها منه نقداً بثمن أقل.
كأن يبيع عليه سيارة بخمسين ألفاً إلى أجل ثم يشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً ، وهذه حيلة يتوصل بها إلى الربا ، فكأنه باع له ريالات مؤجلة بريالات حالة مع الزيادة وجعل السلعة حيلة فقط ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود(٣٤٦٢) وصححه الألباني في الصحيحة(١١)
كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية.
١٤ رجب ١٤٣٩هـ