– كلمات في الدعوة إلى الله.
– الكلمة رقم(٦٠): تفسير قوله تعالى (الذين هم في صلاتهم خـشعون).
-عباد الله: إن الله عزوجل وصف عباده المؤمنين بكتابه العزيز بصفات كثيرة ، من هذه الصفات التي وصفهم بها ، أنهم أهل خشوع في صلاتهم ، قال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خـٰشعون)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(٥/٣٣٧): قوله(قد أفلح المؤمنون)أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح ، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف: (الذين هم في صلاتهم خـٰشعون).اهـ
فمن أسباب فلاحهم ، أنهم خشوعهم في صلاتهم. والخشوع: هو السكينة والخضوع والطمأنينة.
وهو نوعان:
الأول: خشوع القلب ، وهو حضوره في الصلاة.
الثاني: خشوع الجوارح ، وهو السكينة وعدم الحركة إذا قام في الصلاة.
-والخشوع في الصلاة أمر مهم لأن الصلاة ثقيلة إلا على أهل الخشوع ، قال تعالى: ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخـٰشعين )يعني ليست ثقيلة عليهم بل خفيفة.
قال العلامة السعدي في تفسيره(٤٢): الصلاة شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم خفيفة لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً صدره لترقبه للثواب وخشية الله ، بخلاف من لم يكن كذلك فإنه لا داعي له يدعوه إليها وإذا فعلها صارت أثقل الأشياء عليه.اهـ
– عباد الله: اعلموا رحمكم الله ، أن الناس في الخشوع ينقسمون إلى عدة أقسام:
القسم الأول: من خشعت قلوبهم وخشعت جوارحهم في الصلاة. وهؤلاء هم أهل الفلاح ، (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خـٰشعون)
وهم الذي امتثلوا أمر ربهم عزوجل ، قال تعالى: (وقوموا لله قانتين) يعني خاشعين.
وهم الذي لا يستثغلون الصلاة إذا صلوا ، قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلوٰة وإنها لكبيرة إلا على الخـٰشعين)
القسم الثاني: من خشعت جوارحهم ولم تخشع قلوبهم.
وهؤلاء يكتب لهم من الأجر على قدر ما حضر قلب أحدهم في الصلاة كما جاء ذلك في حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الرجل ليصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عُشرها أو تُسعها أو ثُمنها أو سُبعُها)رواه أحمد(١٨٨٧٩)وصححه ابن حبان(١٨٨٦) والأرنؤوط في المسند(٣١/١٧١)
القسم الثالث: من خشعت قلوبهم ولم تخشع جوارحهم.
بمعنى أنهم يكثرون الحركة في الصلاة.
والحركة في الصلاة تنقسم إلى قسمين:
١-مشروعة: وهي الحركة لمصلحة الصلاة ، كأن يتحرك لتسوية الصف أو سد فرجة.
٢-ممنوعة: وهي الحركة لغير مصلحة الصلاة ، كأن يحك رأسه تارة ويده تارة ويعبث بلحيته تارة وهكذا ، والحركة الممنوعة لها حالتان:
مكروهة وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة.
ومحرمة وهي الحركة الكثيرة المتتابعة عرفاً لغير حاجة.
القسم الرابع: من أساء في صلاته إما بتركه شرطاً من شروط الصلاة أو ترك ركناً من أركانها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام ، دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فرد النبي عليه الصلاة والسلام عليه السلام فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ، فصلى ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ارجع فصل إنك لم تصلِّ (ثلاثاً) فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسن غيرَه فعلمني ، قال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلِّها) رواه البخاري(٧٩٣)ومسلم(٣٩٧)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح(٢/٣٢٦): استدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة ، وبه قال الجمهور.اهـ
القسم الخامس: من خشع قلبه وخشعت جوارحه ، ويأتيه الشيطان كي يلبس عليه فيدافعه ، وهذا في جهاد مع الشيطان ، والسنة أن يستعيذ بالله من الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثاً.
عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يلبسها عليّ ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ذاك شيطان يقال له خَنْزَب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثاً) قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني)
رواه مسلم(٢٢٠٣)
قال النووي في شرح مسلم(٢٢٠٣): في هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثاً.اهـ
-أيها الأخوة: إن الخشوع في الصلاة يحصل لمن فرغ قلبه للصلاة ، واشتغل بها عما عداها ، وأعرض عما سواها ، فهي سعادة العبد المسلم وراحته وقرة عينه.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)رواه أحمد(١٢٢٩٣)صححه الألباني في صحيح الجامع(٣١٢٤)
وعن عبدالله بن محمد ابن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار فحضرت الصلاة فقال: يا جارية ، ائتني بوضوء لعلي أُصلي فأَستريح. فرآنا أنكرنا ذاك عليه ، فقال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)رواه أحمد(٢٣١٥٤)وصححه الألباني في صحيح الجامع(٧٨٩٢)
كتبه/
بدر بن محمد العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر
٢٧ رجب ١٤٣٩هـ