الرد الثالث والعشرون / على المعتزلي عدنان إبراهيم .
( في اعتراضه على القدر ، وقوله إن الإيمان بالقدر فرق الأمة )
يجاب عليه:
أن الإيمان بالقدر واجب على كل مسلم ، وهو ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان عبد إلا بها ، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً أن جبريل عليه السلام سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان فقال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) رواه مسلم(١)
وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه:( يا بني إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره … يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار) رواه أحمد(٢٢١٩٧) وصححه الألباني في السنة لابن أبي عاصم(١١١)
ودل على وجوب الإيمان بالقدر الكتاب والسنة والإجماع.
– الكتاب:
قال تعالى( وخلق كل شيء فقدره تقديراً)
وقال تعالى( إنا كل شيء خلقنـٰه بقدر)
وقال تعالى( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتـٰب من قبل أن نبرأها)
-السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) رواه مسلم(١)
وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه)
رواه الترمذي(٢١٤٤) وصححه الألباني.
-الإجماع:
نقل الإجماع غير واحد من الأئمة:
قال أحمد بن يحيى ثعلب: ما في العرب إلا مثبت للقدر خيره وشره ، أهل الجاهلية والإسلام ، ذلك في أشعارهم وكلامهم كثير.
(شرح أصول اعتقاد أهل السنة-٣/٥٨٣)
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً ومصراً وشاماً ويمناً من مذهبهم: …والإيمان بالقدر خيره وشره من الله عزوجل.
(عقيدة الرازيين-٢٥)
وقال أبو القاسم اللالكائي: وهو مذهب أهل السنة والجماعة يتوارثونه خلفاً عن سلف من لدن رسول الله بلا شك ولا ريب.
(شرح أصول اعتقاد أهل السنة-٣/٥٩٤)
– مراتب القدر:
للقدر أربعة مراتب يجب الإيمان بها:
المرتبة الأولى: العلم. أي الإيمان بأن الله علم ما كان وما يكون أزلاً وأبداً – يعني علمه بالماضي والمستقبل- علم كل شيء من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال وغيرها. قال تعالى( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير)
الثانية: الكتابة. أي الإيمان بأن الله كتب مقادير الخلق في اللوح المحفوظ. فكل ما يحدث في الكون علمه الله وكتبه قبل حدوثه. قال تعالى( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتـٰب من قبل أن نبرأها)
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً(أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب ، قال وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كان وما هو كائن إلى الأبد)رواه أبو داود(٤٧٠٠) والترمذي(٢١٥٥) صححه الحاكم(٢/٤٩٨) والألباني. وله شاهد عن عبدالله بن عمرو بلفظ( إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة) رواه مسلم(٢٦٥٣)
الثالثة: المشيئة. أي الإيمان بأن الله شاء كل شيء وأراده مما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ . قال تعالى( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
الرابعة. الخلق. أي الإيمان بأن كل ما يقع في هذا الكون هو من خلق الله. قال تعالى( والله خلقكمـ وما تعملون) وقال تعالى( الله خـٰلق كل شيء)
فوائد الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر له عدة فوائد منها:
أولاً: أنه من تمام بالإيمان بالله.
ثانياً: أنه يكسب العبد طمأنينة واستقرار ويصبر على ما أصابه ويحتسب الأجر من الله.
ثالثاً: أن الإنسان لا يعجب بنفسه إذا حصل له مكروه.
رابعاً: أن الإنسان إذا أمن بالقدر لا يأسف على ما فاته ، ولا يلوم نفسه بقوله لو فعلت كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان.
أقسام الناس في القدر:
القسم الأول: قوم آمنوا بالقدر خيره وشره ، وقالوا إن العبد يفعل الفعل باختياره وإرادته ولكنه لا يخرج على قضاء الله وقدره.
وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
القسم الثاني: قوم لم يؤمنوا بالقدر ، وقالوا إن الإنسان حر حرية كاملة في تصرفاته وهو الذي يخلق فعله ولم يخلقه الله وليس لله سبحانه وتعالى تدخل في أفعال العباد. وهؤلاء هم القدرية ، نفاة القدر ، مجوس هذه الأمة عن ابن عمر مرفوعاً(القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود(٤٦٩١) بسند منقطع
وله شاهد عن حذيفة بن اليمان رواه أبو داود(٤٦٩٢) وفي سنده ضعف. وله شاهد آخر عن جابر بن عبدالله رواه ابن ماجه(٩٢) وفيه ضعف.
قال الحافظ العلائي كما في اللآلي المصنوعة(١/٢٥٩): ينتهي بمجموع طرقه إلى درجة الحسن الجيد المحتج به إن شاء الله.اهـ
وحسن الألباني حديث ابن عمر بمجموع طرقه في صحيح الجامع(٤٤٤٢)
وسموا القدرية مجوس هذه الأمة لقولهم إن العبد يخلق فعله ، والمجوس قالوا إن الشر له خالق والخير له خالق ، فكلاهما جعلوا خالقاً مع الله.
قال العلامة صالح الفوزان في شرح الطحاوية(٢٧٢): الإيمان بالقضاء والقدر يدخل في توحيد الربوبية ، لأنه من أفعال الله عز وجل فمن جحد القضاء والقدر لم يكن مؤمناً بتوحيد الربوبية.اهـ
القسم الثالث: قوم قالوا إن العبد مجبور على فعله ، وهو كالآلة أو كالريشة يحركها الهواء أي أن العبد ليس له فعل حقيقة بل هو يتحرك بدون إرادته . وهؤلاء هم الجبرية.
قال العلامة هراس في شرح الواسطية(٢٣٠):
الجبرية غلوا في إثبات القدر حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة بل هو في زعمهم لا حرية له ولا اختيار ولا فعل كالريشة في مهب الريح وإنما تسند الإفعال إليه مجازاً ، فاتهموا ربهم بالظلم وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم واتهموه بالعبث في تكليف العباد وأبطلوا الحكمة في الأمر والنهي ، ألا ساء ما يحكمون.اهـ
وقول عدنان إبراهيم( إن الإيمان بالقدر فرق الأمة)
هذا قول باطل ، أين الأمة التي تفرقت بالقدر ، بل الأمة مجمعة على الإيمان بالقدر خيره وشره وقد نقل الإجماع غير واحد من الأئمة كما مر ، ولا يعتد بمخالفة أهل الأهواء والبدع من القدرية النفاة والجبرية الغلاة فهؤلاء لا عبرة بخلافهم ، ولا ينقض قولهم الإجماع ، بل نتبرئ منهم ومن أقوالهم الضالة المخالفة للكتاب والسنة والإجماع.
قال يحيى بن يعمر لعبدالله بن عمر: يا أبا عبدالرحمن إنه ظهر قِبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أُنف!
قال ابن عمر:( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني ، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) رواه مسلم(١)
وينبغي تبين حالهم للناس لكي لا يغتر بهم أحد فيضل كما ضلوا.
قال أحمد حدثنا أبو جعفر الحذاء قال: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر أعني إبراهيم بن أبي يحيى ، قال: عرفوا الناس بدعته وسلوا ربكم العافية.
(العلل ومعرفة الرجال لأحمد-١/٢٩٧)
كتبه/
بدر بن محمد البدر
١٤٣٦/٦/٢٤هـ