@ أسباب الإنحراف @

– أسباب الإنحراف الفكري –
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن أسباب الإنحراف الفكري لدى الشباب الذين نحو منحى التكفير والتفجير ، كثيرة جداً من أهم هذه الانحرافات ما يلي:
– أولاً: اتباع الهوى.

إن من أسباب الانحراف الفكري : اتباع الهوى ، فإن اتباع الهوى يصد صاحبه عن الحق ويعمي بصيرته ويسلك به مسلك الباطل.
– والهوى نوعان:

– الأول: هوى مذموم.

وهو أن يقدم المرء هواه على كل شيء.

قال تعالى في ذمه : ( أفرءيت من اتخذ إلهه هوىـٰه وأضله الله على علمـ وختمـ على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشـٰوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون)

أي أفرأيت أيها الرسول من اتخذ هواه إلهاً له فلا يهوى أمراً من الأمور إلا فعله فلا يرجع للأدلة الشرعية ولا يسمع النصح ولا المواعظ بسبب هواه

الذي صده عن الحق وسلك به مسلك الباطل.
– النوع الثاني : هوى ممدوح

وهو من كان هواه متبعاً لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) رواه ابن أبي عاصم في السنة(١٥)

وصححه النووي في الأربعين(٤١)

وابن الملقن في المعين(٤٣٤)

وقال ابن حجر في الفتح(١٣/٣٠٢):رجاله ثقات.

وقال ابن رجب في الجامع(٧٧٧):ضعيف

وضعفه الألباني في ظلال الجنة(١٥)
والحديث يندرج تحت أصول صحيحة ثابتة.

قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم(٧٧٧):

حديث( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) حديث ضعيف وأما معنى الحديث أن الإنسان لا يكون مؤمناً كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ورد القرآن بمثل هذا في غير

آية.اهـ
– ثانياً: الغلو في الدين.

ومن أسباب الانحراف الفكري الغلو في الدين.

والغلو: هو مجاوزة الشيء حده ، والمراد بالغلو في الدين هو التشدد فيه.
قال تعالى في ذم الغلو ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم )
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون، قالها ثلاثًا ) رواه مسلم (٢٦٧٠)

والتنطع: هو الغلو والتشدد
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام : (أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )

 رواه أحمد(١/٢١٥) وابن ماجه (٣٠٢٩) والنسائي(٢٦٨) وصححه ابن حبان(٣٩٥٩)

وله شاهد عن سمرة بن جندب رواه الطبراني في الكبير (٦٩٥١) وعن الفضل بن العباس رواه الطبراني في الكبير(١٥١٦٠)
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء(١/٢٨٩) : قوله: «إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال.اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(١٠/٦٢٠) : الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه ) رواه البخاري ، وهذا باب واسع.اهـ

ثالثاً: عدم الرجوع إلى فهم السلف للنصوص الشرعية.

ومن أسباب الانحراف الفكري : عدم الرجوع إلى فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والأئمة المجتهدين.

فينبغي للمرء المسلم أن لا يقدم فهمه القاصر للنصوص الشرعية على فهم السلف ، لا سيما القرون الثلاثة الذين شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية.
قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(١٢/٢٣٥): الذي يجب على الإنسان اعتقاده في ذلك وغيره ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واتفق عليه سلف مؤمنين الذين أثنى الله عليهم وعلى من اتبعهم وذم من اتبع غير سبيلهم.اهـ
رابعاً: عدم الرجوع إلى العلماء الربانيين.

من أسباب الانحراف الفكري : عدم الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالرجوع إليهم.

قال تعالى : (فاسألوا أهل الذِّكر إنْ كنتم لا تَعلمون )
فالإعراض عن العلماء الكبار والصد عنهم والتقليل من شأنهم والتزهيد في علمهم ، والإقبال على الصغار والأخذ منهم وتعظيم شأنهم ، شر كبير وبلاء مستطير ، ابتلي به الكثيرون.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( فساد الدين إذا جاء العلم من ِقبل الصغير استعصي عليه الكبير وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير )

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١/٢٠١): أخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه بسند صحيح.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ( إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم فإذا كان العلم في صغاركم سفّه الصغير الكبير )

رواه ابن عبدالبر في الجامع (١/١٥٩)
فإذا رأى المرء من نفسه أنه أصبح عالماً ولا حاجة له أن يرجع إلى العلماء الكبار ، فليعلم أنه استدراج من الشيطان ، يريد إضلاله كما أضل غيره.
خامساً: تلقي العلم عن المبتدعة ودعاة الضلال.

ومن أسباب الانحراف الفكري : أخذ العلم من المبتدعة أهل الزيغ والضلال.

اعلم أيها المسلم ، أنه ما ضل من ضل من الناس إلا بسبب أخذ العلم من غير أهله ، وأهل البدع ليسوا بأهل العلم.
عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام : (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)

رواه ابن المبارك في الزهد(٦١)

قال الألباني في الصحيحة (٢/٣١٦): إسناده جيد.
قال أبو صالح محبوب بن موسى سألت عبدالله بن المبارك : من الأصاغر ؟ قال : « أهل البدع »

رواه الخطيب في الجامع(١٦٠)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج لما ناظرهم ( لم يكن فيكم أحد ممن صحب النبي عليه الصلاة والسلام ) رواه الحاكم (٢٦٥٦) وصححه.

أي ليس فيكم علماء ، وإنما فيكم دعاة ضلالة زينوا لكم سوء أعمالكم.
سادساً: عدم قبول النصحية.

ومن أسباب الانحراف الفكري : عدم قبول النصيحة من أهل النصح ، والاستهزاء بالناصح

وتحقيره والتقليل من شأنه سواء كان الناصح كبيراً في السن أو عالماً من العلماء أو شيخاً من المشايخ الفضلاء.

فرد النصيحة وعدم قبولها سمة من سمات أهل الباطل.

قال تعالى عن صالح عليه السلام مخاطباً قومه : ( لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) أي: فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحاً ، ولهذا قال:(ولكن لا تحبون الناصحين). 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :( البركة مع أكابركم )

رواه ابن حبان في صحيحه (٥٥٩) وصححه الحاكم في المستدرك (١٩٦)

وصححه الألباني في الصحيحة(١١٧٨)
– ولفظ الأكابر عام يشمل كبار السن ويشمل العلماء ، فإن البركة في كلامهم ونصائحهم وإرشادتهم وغير ذلك ، فمن أخذ بأقوالهم ونصائحهم وإرشادهم ، أخذ بالبركة ، ومن تركها وأعرض عنها ، ترك البركة.
هذا والله أعلم.

كتبه/

بدر بن محمد البدر

١٧/رمضان/١٤٣٦هـ