– مباحث في علم مصطلح الحديث –
– شدة تحري ابن خزيمة في انتقاء الحديث –
الإمام الحافظ ابن خزيمة رحمه الله عُرف بشدة تحريه في انتقاء الحديث الصحيح ، فلا يدخل في صحيحه إلا ما ترجع له صحته ، ومما يدل على شدة تحريه ما يلي:
– أولاً: أنه قد يروي الحديث الصحيح في صحيحه ثم تتبين له علته ويتراجع عن تصحيحه.
مثاله:
قال ابن خزيمة(ح-٣٨) حدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا حماد بن زيد عن هشام بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس
( أن النبي عليه الصلاة والسلام أكل عظماً أو لحماً ثم صلى ولم يتوضأ )
قال أبو بكر ابن خزيمة: خبر حماد بن زيد غير متصل الإسناد ، غلطنا في إخراجه ، فإن بين هشام بن عروة وبين محمد بن عمرو بن عطاء ، وهب بن كيسان.
وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وعبدة بن سليمان.اهـ
– ثانياً: أنه قد يروي الحديث في صحيحه ثم يتردد في صحته ، فيقول فيه (إن صح الخبر) وهذا كثير في صحيحه.
مثاله:
قال ابن خزيمة (١٠٥)-باب فضل السواك وتضعيف فضل الصلاة التي لها على الصلاة التي لا يستاك لها إن صح الخبر.
وساق بسنده (ح-١٣٧) عن محمد بن إسحاق قال ذكر محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفاً )
قال ابن خزيمة: أنا استثنيت صحة هذا الخبر لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه.اهـ
وقوله(١٢١)-باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة مراراً عند التدبر والتفكر في القرآن
إن صح الخبر.اهـ
وقوله(٤٩٣)-باب فضل قراءة ألف آية في ليلة إن صح الخبر ، فإني لا أعرف أبا سوية بعدالة ولا جرح.
– ثالثاً: أنه قد يروي للراوي الضعيف في صحيحه لوجود ما يعضد حديثه.
مثاله:
روى ابن خزيمة(ح-١٤٦) قال أخبرنا أحمد بن عبدالرحمن بن وهب أخبرنا عمي أخبرني ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي
عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن عبدالله عن أبيه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات)
قال أبو بكر ابن خزيمة: ابن لهيعة ليس ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا تفرد برواية وإنما أخرجت هذا الخبر لأن جابر بن إسماعيل معه في الإسناد.اهـ
– رابعاً: أنه قد يروي الحديث المعل في صحيحه ليبين علته.
مثاله:
قال ابن خزيمة(٤١)-باب الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة.
وساق بسنده(ح-٣٧٨) عن عبدالعزيز بن عبدالملك عن أبي محذورة ( أن رسول الله عليه الصلاة السلام
أقعده فألقى عليه الأذان حرفاً حرفاً…)
قال أبو بكر ابن خزيمة: عبدالعزيز بن عبدالملك لم يسمع هذا الخبر من أبي محذورة إنما رواه عن عبدالله بن محيريز عن أبي محذورة.
ثم ساقه(ح-٣٧٩) عن عبدالعزيز بن عبدالملك عن عبدالله بن محيزيز عن أبي محذورة.
– وقوله(٤٤)-باب إدخال الإصبعين في الأذنين
عند الأذان إن صح الخبر ، فإن هذه اللفظة لست أحفظها إلا عن حجاج بن أرطاة ، ولست أفهم أسمع الحجاج هذا الخبر عن عون بن أبي جحيفة أم لا ، فأشك في صحة هذا الخبر لهذه العلة.اهـ
وقوله(ح-١٢١٦) عن موسى بن عبدالعزيز عن الحكم بن أبان حدثني عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال للعباس بن عبدالمطلب:( يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أجيزك…)
ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة مرسلاً ، لم يقل فيه عن ابن عباس.
وقوله(ح-١٢٢٤) عن إسماعيل بن عبدالله الرقي عن خالد بن عبدالله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام(لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب)
قال أبو بكر ابن خزيمة:لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبدالله على إيصاله هذا الخبر
ورواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلاً ، ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله.اهـ
– خامساً: قد يروي الحديث الضعيف في صحيحه ليس من باب الاحتجاج به وإنما ليبين ضعف راويه.
قال ابن خزيمة (ح- ٤٦٩): عاصم العنزي وعباد بن عاصم مجهولان لا يدرى من هما.
وقال (ح-٤٧٠): حارثه بن محمد ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه.
وقال (ح- ٨٦٥): إن كان قابوس بن أبي ظبيان
يجوز الاحتجاج بخبره فإن في القلب منه.
وقال (ح-١٠٠٥): في القلب من زمعة.
وقال (ح-١٢١٥): ولست أعرف علي بن الصلت
هذا ، ولا أدري من أي بلاد الله هو.
كتبه/
بدر بن محمد البدر.
١٧/١٠/١٤٣٦هـ