– صفات الداعية –
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد:
فهذه بعض الصفات التي ينبغي على كل داعية إلى الله أن يتحلى بها وهي:
أولًا: الإخلاص.
يجب على الداعية أن يكون مخلصاً لله في دعوته لا يريد بدعوته رياء ولا سمعة ، ولا يبحث عن ثناء الناس ، إنما يدعو إلى الله يريد ما عند الله
ويحرص على إقامة دين الله وإصلاح عباد الله.
قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ)
وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرءاً ما نوى)
رواه البخاري(١) ومسلم(١٩٠٧)
قال الحافظ ابن الملقن في المعين(٨٢): هذا الحديث أصل في الإخلاص ، وشواهده كثيرة من الكتاب والسنة.اهـ
فالأخلاص واجب على كل داعية يدعو إلى الله ، لا يدعو إلى نفسه ولا جماعته ولا عشيرته ، وإنما يدعو إلى الله لا إلى غيره ، كما قال تعالى (أدعو إلى الله).
ثانيًا: العلم.
ينبغي على الداعية أن يتحلى بالعلم ، يدعو على علم لا على جهل ، قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) يعني على علم.
وقال تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين) يعني يتعلموا العلم الشرعي (ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) يعني يدعونهم.
والدعوة إذا كانت على علم نفعت ، وكانت سبباً في انتشار الخير بين الناس ، وإذا كانت على جهل أضرت ، وكانت سبباً في انتشار الشر بين الناس.
قال العلامة ابن باز في الفتاوى(١/٣٤٥): يجب عليك أيها الداعية أن تكون على بينة في دعوتك أي: على علم، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلًا أو تركًا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة.اهـ
وقال لنا العلامة صالح الفوزان: الدعوة لابد أن تكون على علم وبصيرة ، لا تكون على جهل ، لأن الداعية إلى الله قد تعرض له المسائل وتعرض له الشبهه ، فلابد أن يكون عالماً لكي يرد على المسائل ويرد على الشبهه ، وأما الجاهل فلا يعرف كيف يرد على المسائل والشبهه ، فيفسد ولا يصلح.اهـ
ثالثاً: الحكمة.
ينبغي على الداعية أن يكون حكيماً في دعوته ويتحلى بالصفات الفاضلة الحميدة من حُسن خُلق وطيب لسان ولين جانب.
قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
وقال تعالى في قصة موسى وهارون: ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)
رواه مسلم(٢٥٩٣)
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الله يحب الرِّفق في الأمر كله)
رواه البخاري(٦٣٩٥)
وعنها رضي الله عنها قالت: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلَّا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلَّا شانه)
رواه مسلم(٢٥٩٤)
والداعية أحوج الناس إلى الرفق في دعوته
فعليه بالرفق واللين ، واجتناب الشدة والغلظة والقسوة.
قال تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (يَسروا ولا تُعسروا، وبَشروا، ولا تُنفروا)
رواه البخاري(٦٩)
قال لي العلامة صالح اللحيدان: عليك بالحكمة في دعوتك ، فلابد أن تكون حكيماً ، تدعو بالحكمة
كما قال تعالى(ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة)
فلابد من الحكمة ، واحرص على محبة الناس لك
فإذا أحبك الناس أحبوا دعوتك ، وإذا كرهك الناس لن يقبلوا دعوتك ، فأهم ما عليك هو الحكمة في دعوتك.اهـ
رابعاً: الصبر على الدعوة.
ينبغي على الداعية أن يتحلى بالصبر
لأنه قد تعتريه بعض الصعاب والمشاق ، فلا بد أن يصبر ويحتسب الأجر من الله.
قال تعالى ( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
وقال تعالى ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ )
وقال تعالى عن لقمان (يـٰبنى أقمـ الصلوٰة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)
قال المفسرون: أوصاه بالصبر لأنه لا يأتي أحد يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا ويعادى ويؤذى من الجهال والسفهاء ومن سلك مسلكهم ، فعليه بالصبر واحتساب الأجر.
والتأسي بالأنبياء والرسل فقد أصابهم في الدعوة إلى الله ما أصابهم ، فصبروا على دعوتهم.
قال تعالى(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ )
قال العلامة عبدالعزيز بن باز في الفتاوى(٩/٢٣٧): الواجب على الدعاة التحمل والصبر وعدم العجلة، حتى يفقهوا الناس وحتى يرشدوا الناس، فيعلموا ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم عن بصيرة، الواجب التأني والتثبت حتى يفقه العامي ويفقه المتعلم ما قيل له، ولا مانع من ترداد الكلام وإيضاحه بأنواع العبارات التي توضح للسائل أو للحاضرين مراد المعلم ومراد المرشد. لأن الحاضرين قد يكون فيهم من لا يفهم لغة المعلم ولغة المرشد فيكرر العبارات ويوضحها بالعبارات التي يفهمونها والألفاظ التي يفهمونها حتى يكون البيان كاملا وحتى تقوم الحجة ولا بد من الصبر كما قال الله تعالى (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ).اهـ
كتبه/
بدر محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد
بحفر الباطن.
٢٠/٢/١٤٣٧هـ