كلمات في الدعوة إلى الله – الإيمان بالقدر

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة/ الإيمان بالقدر.

-عباد الله: إن من أركان الإيمان الستة ، الإيمان بالقدر خيره وشره ، كما جاء في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سئل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم(٨) وفي لفظ لابن حبان في صحيحه(١٦٨)(وتؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره)
قال الهيثمي في المجمع(١/٤٥): رجاله موثقون.
وقال الأرنؤوط في صحيح ابن حبان(١٦٨): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

ولا يستقيم إيمان العبد ولا يقبل منه حتى يؤمن بالقدر ، قال ابن عباس رضي الله عنه: (القدر نظام التوحيد ، فمن وحّد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضاً للتوحيد ، ومن وحد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها)رواه عبدالله بن أحمد في السنة(٢/٤٢٢)

وقد أجمع أهل السنة والجماعة لا خلاف بينهم على أن كل شيء بقدر ، وأن الله عزوجل قدّر مقادير الخلائق بما يلائم الخلق من أمور دينهم ودنياهم ، فما من خير إلا وهو بقضاء الله وقدره ، وما من شر إلا وهو بقضاء الله وقدره ،
قال تعالى: (إنا كل شيء خلقنـٰه بقدر)

قال طاووس رحمه الله: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يقولون: كل شيء بقدر.قال: وسمعت عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقدر حتى العَجْز والكَيْس)رواه مسلم(٢٦٥٥)
قال النووي في شرح مسلم(١٨/٢٦٥٥): قال القاضي: العجز عدم القدرة والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور ، ومعناه: أن العاجز قدر عجزه والكيس قد قدره كيسه.اهـ

والقدر هو ما سبقه العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد ، وله أربعة مراتب دلت عليها الأدلة الشرعية:

المرتبة الأولى: علم الله الأزلي بكل شيء ، أي أن الله عزوجل علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم ، وعلم أرزاقهم وآجالهم وعلم من أهل الجنة وأهل النار ، وأنه سبحانه وتعالى لا يعزُبُ عنه مقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، قال تعالى: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عـٰلمـ الغيب لا يعزُبُ عنه مثقال ذرة في السمـٰوٰت ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتـٰب مبين)

الثانية: الكتابة ، أي أن الله عزوجل كتب في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن في هذا الكون ، قال تعالى: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتـٰب)
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له: اكتب ، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)رواه أحمد(٢٢١٩٧) وأبو داود(٤٧٠٠)وصححه الترمذي(٣٣١٩) والألباني في صحيح الجامع (٢٠١٧)

وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك رفعت الأقلام وجفت الصحف)رواه الترمذي(٢٥١٦)وصححه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع(٧٩٥٧)

الثالثة: المشيئة ، أي أن كل ما في الكون فهو بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة ، وأن الله عزوجل لا يكون في ملكه إلا ما يريد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)

الرابع: الخلق ، أي أن الله عزوجل خلق كل شيء لا خالق غيره وما سواه مخلوق ، ولا رب سواه ، قال تعالى: (الله خـٰلق كل شيء) وقال تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى)

-عباد الله: إن الإيمان بالقدر له فوائد وثمرات عديدة ، فمن فوائد الإيمان بالقدر:
١-أنه من تمام الإيمان ، ولا يتم الإيمان إلا بالإيمان بالقدر.
٢-أنه من تمام الإيمان بالربوبية ، لأن قدَر الله عزوجل من أفعاله.
٣-أن الإنسان يعرف قدر نفسه ، ولا يفخر إذا فعل الخير.

-وأما ثمرات الإيمان بالقدر:
١-الاعتماد على الله عند فعل الأسباب.
٢-إذا علم العبد أن ما أصابه بقضاء وقدره اطمأن قلبه ورضي ، قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه والله بكل شيء عليم).
قال علقمة رحمه الله في معنى الآية: (هو الرجل تصيبة المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم)رواه الطبري في تفسيره(٢٨/٨٠)

-عباد الله: إن من الأخطاء التي يقع بها بعض الناس إذا أصابته مصيبة ، قول: (لو لم يكن كذا لما كان كذا وكذا) ، وهذا حرام وهو اعتراض على قدر الله.
قال تعالى عن المنافقين: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا)قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي سلول)تفسير ابن كثير(٢/١١٥)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتحُ عملَ الشيطان)رواه مسلم(٢٦٦٤)

قال العلامة عبدالله بن حميد في شرح التوحيد(٦٨٦): النهي عن (لو) هو أن تقول إذا قدَّر الله قدراً وقضى أمراً: لو فعلت كذا لكان كذا وكذا ، وهذا غلط ، وهذا يخدش في كمال التوحيد ، فما قدّره الرب سبحانه وقضاه لابد أنه واقع.اهـ

-ومن الأخطاء أيضاً قول بعض الناس عند المصائب: (لماذا يا رب فعلت كذا وكذا) وهذا حرام ، قال تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون)
قال الإمام الطبري في تفسير(١٨/٤٢٦):لا سأل يسأل رب العرش عن الذي يفعل بخلقه من تصريفهم فيما شاء من حياة وموت وإعزاز وإذلال وغير ذلك من حكمه فيهم لأنهم خلقه وعبيده.اهـ

-والله أعلم

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية.

٣٠ جمادي الأول ١٤٣٩هـ