كلمات في الدعوة إلى الله – ذم ذي الوجهين

كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٦): ذم ذي الوجهين.

-عباد الله: إن من الصفات المذمومة والمحرمة شرعاً ، صفة ذي الوجهين وهو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ، كما يفعل المنافقون ، قال تعالى عن المنافقين: (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيـٰطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) يعني: أن أهل النفاق إذا اجتمعوا بالمؤمنين قالوا لهم: نحن مؤمنون مثلكم ، وإذا اجتمعوا برؤسائهم وكبرائهم من أهل الكفر قالوا نحن معكم.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(١/٩٣): وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا أي أظهروا لهم الإيمان والموالاة ، وإذا خلوا إلى شياطينهم يعني مضوا إلى سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين ، قالوا إنا على مثل ما أنتم عليه إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم.اهـ

-وهذه الصفة المذمومة هي صفة شرار الناس عند الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (تجدون من شرار الناس ذا الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه)
رواه البخاري(٣٤٩٤) ومسلم(٢٥٢٦)

وفي رواية للترمذي(٢٠٢٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين) قال الترمذي: حسن صحيح ، وأصله في صحيح البخاري(٦٠٥٨)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح(١٠/٥٣٥): قوله(شر الناس) يحمل على عمومه فهو أبلغ في الذم ، وقد وقع في رواية الإسماعيلي:(شر خلق الله ذو الوجهين).اهـ

وقال الحافظ ابن حجر أيضاً(١٠/٥٣٥): قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق ، مدخل للفساد بين الناس.اهـ

وقال العلامة ابن عثيمين في شرح الرياض(٤/١٩٦): قوله(تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)هذا من كبائر الذنوب ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف فاعله بأنه شر الناس.اهـ

– عباد الله: إن ذا الوجهين له عدة حالات مع من يأتيهم من الناس:

الحالة الأول: أن يأتي قوم بينهم خصومة ، فيحرش هؤلاء على هؤلاء ، وهؤلاء على هؤلاء ، فيقول لطائفة: إن القوم الفلانيين يقولون فيكم كذا وكذا ، ثم يأتي الطائفة الأخرى ويقول لهم: إن القوم الفلانيين يقولون فيكم كذا وكذا ، يحرش بينهم كي تزداد الخصومة والعداوة بينهما، وهذا من كبائر الذنوب ، قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) ، وعن حذيفة رضي الله عنه سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يدخل الجنة قتات)رواه البخاري(٦٠٥٦)ومسلم(١٠٥)

الحالة الثانية: أن يأتي إلى شخص ويمدحه في وجهه ، وإذا ذهب من عنده ذمه وعابه في المجالس ، وهذه صفة أهل النفاق.
عن أبي الشعثاء قال: لقي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ناساً خرجوا من عند مروان ، فقال: من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: خرجنا من عند الأمير مروان ، قال: وكل حق رأيتموه تكلمتم به وأعنتم عليه؟ وكل منكر رأيتموه أنكرتموه ورددتموه عليه؟ قالوا: لا والله ، بل يقول ما يُنكر ، فنقول: قد أصبت أصلحك الله ، فإذا خرجنا من عنده قلنا: قاتله الله ما أظلمه وأفجره ،
قال عبد الله: (كنا نعد ذلك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام نفاقاً لمن كان هكذا)رواه أحمد(٥٣٧٣)وأصله عند البخاري(٧١٧٨)بلفظ(قال أُناس لابن عمر: إنا ندخل على سُلطانِنا ، فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال: كنا نعُدُّها نفاقاً)

قال العلامة ابن باز في شرح البخاري(١٣/١٧٤٨): هذا من الأمور الخطيرة ، كون الإنسان يمدح السلطان أو الأمير أو القاضي أو نحوهم في وجوههم ، ثم إذا خرج نشر عيوبهم هذا من النفاق كما قال ابن عمر.اهـ

– عباد الله: إن الله عزوجل توعد ذا الوجهين بالعقاب في الآخرة جزاء عمله السيء.
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعاً: (مَن كان له وجهان في الدنيا ، كان له لسانان من نار يوم القيامة) رواه أبو داود(٤٨٧٣)وصححه ابن حبان(٥٧٢٦)والألباني في الصحيحة(٨٩٢)

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن ذا اللسانين له لسانان من نار يوم القيامة)رواه ابن أبي شيبة في المصنف(٢٥٩٧٦)بسند صحيح.

– عباد الله: ينبغي الحذر من هذه الصفة المذمومة ، والحذر من أهل هذه الصفة ، وينبغي للناس ألا يُطلعوا أهل هذه الصفة الذميمة على أسرارهم ، لأنهم ليسوا محل ثقة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً)رواه أحمد(٧٨٧٧)والبخاري في الأدب المفرد(٣١٣)وصححه الألباني في الصحيحة(٣١٩٧)
فعلى المسلم أن يحفظ لسانه من آفات اللسان ، فإن أكثر الذنوب في اللسان ، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)رواه الطبراني(٣/٧٨)وابن أبي الدنيا في الصمت(٤١)
قال المنذري في الترغيب(٨/٤): رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.

قال الحافظ ابن حبان في روضة العقلاء(١٠٤): العاقل لا يكون ذا لونين بل يُوافق سره علانيته وقوله فعله.

-كتبه:
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

٨ شوال ١٤٣٩هـ