@ الرد الثامن عشر / على المعتزلي عدنان إبراهيم @

الرد الثامن عشر / على المعتزلي عدنان إبراهيم 

بقوله إنه يعشق الفلسفة


قال عدنان إبراهيم: (بأنه يعشق علم الفلسفة كثيراً).



 لا شك أنه لا يعتنق الفلسفة ، ويعظمها ، إلا من لم يعرف العقيدة الصحيحة ، فمن رزقه الله تعالى العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، عَرف فساد الفلسفة وضلال أهلها.

وسوف أُبين بإذن الله تعالى في ردي عليه عدة أمور.

أولاها:ما هي الفلسفة

ثانيها: مراحل الفلسفة اليونانية

ثالثها: مدارس الفلاسفة

رابعها: بيان بعض عقائد الفلاسفة

وخامسها: ذكر أسماء بعض مَن تأثر بالفلسفة.


نقول وبالله التوفيق:


أولاً: ما هي الفلسفة:

الفلسفة : كلمة يونانية مركبة من كلمتين

(فيلا) ومعناها الإيثار.

و(سوفيا) ومعناها الحكمة.

والفيلسوف مشتق من الفلسفة بمعنى(مؤثر الحكمة)

والفلسفة عند الفلاسفة هي: (النظر العقلي المتحرر من كل قيد وسلطة تفرض عليه من الخارج)

وقال أرسطو: الفلسفة هي البحث عن علل الأشياء ومبدائها الأول.



ثانياً: مراحل الفلسفة اليونانية:

مرت الفلسفة اليونانية بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة البحث في عالم الطبيعة لمعرفة الأساس الذي عليه يطرأ تغير الأشياء إلى أضدادها.

وأشهر الفلاسفة في هذه المرحلة:

طاليس ، وانكسيمندريس ، وهرقليطس.


المرحلة الثانية: مرحلة اهتمت بالنظر والتأمل في جانبي التفكير والإدارة في الإنسان ، مما سبب ظهور القضايا الأخلاقية والمنطقية والنفسية.

وأشهر الفلاسفة في هذه المرحلة:

سقراط.


المرحلة الثالثة: مرحلة جمعت بين المرحلة الأولى والثانية.

وأشهر الفلاسفة فيها:

أفلاطون ، وأرسطو.



ثالثاً: مدارس الفلاسفة:

للفلاسفة ثلاث مدارس:

المدرسة الأولى: الطبيعيون: وهم الذين أكثروا البحث في عالم الطبيعة.

وهؤلاء ينكرون الحشر واليوم الآخر من جنة ونار وغيرها.


الثانية: الدهرية: وهم الذين جحدوا الخالق والعياذ بالله.


الثالثة: الإلهيون: وهؤلاء وثنيون.



رابعاً: نبذة عن عقيدة الفلاسفة:


١- من عقائد الفلاسفة: عدم إيمانهم بأركان الإيمان.

فالفلاسفة لا يؤمنون بأركان الإيمان التي جاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم(١)


قال شيخ الإسلام في الفتاوى(٩/٥٨):

وذهب الفلاسفة أهل المنطق إلى جهالات قولهم: إن الملائكة هي العقول العشرة ، وأنها قديمة أزلية ، وإن العقل رب ما سواه ، وهذا شيء لم يقل مثله أحد من اليهود والنصاري ومشركي العرب ، ولم يقل أحد إن ملكاً من الملائكة رب العالم كله.

ويقولون إن العقل الفعال مبدع كل ما تحت فلك القمر ، وهذا أيضاً كفر لم يصل إليه أحد من كفار أهل الكتاب ومشركي العرب ، ويقولون إن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته وليس عالماً بالجزئيات ، ولا يقدر أن يغير العالم ، بل العالم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه ، وأنه إذا توجه المستشفع إلى من يعظمه من الجواهر العالية كالعقول والنفوس والكواكب والشمس والقمر فإنه يتصل بذلك المعظم المستشفع به فإذا فاض على ذلك ما يفيض من جهة الرب فاض على هذا من جهة شفيعه.اهـ


قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية(٢٩٧): 

وأعظم الناس إنكاراً للملائكة هم الفلاسفة المسمون عند من يعظمهم بالحكماء ، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر.

فإن مذهبهم أن الله موجود لا ماهية له ولا حقيقة فلا يعلم الجزئيات بأعيان ، وكل موجود في الخارج فهو جزئي ، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته وإنما العلم عندهم لازم له أزلاً وأبداً 

وإن سموه مفعولاً له  فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته ! فهذا إيمانهم بالله.

وأما كتبه عندهم ، فإنهم لا يصفونه بالكلام فلا يكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول ، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته لينال من العلم أعظم ما يناله غيره وقوة النفس ليؤثر بها في هيولى العالم يقلب صورة إلى صورة ! وقوة التخييل ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول ، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجودية.

وأما اليوم الآخر ، فهم أشد الناس تكذيباً وإنكاراً له في الأعيان وعندهم أن هذا العالم لا يخرب ولا تنشق السموات ولا تنفطر ولا تنكدر النجوم ولا تكور الشمس والقمر ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار ، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهم العوام ، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل.

فهذا إيمان هذه الطائفة- الذليلة الحقيرة- بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.اهـ


٢- ومن عقائدهم: نفي صفات الله.

الفلاسفة الإلهيين أمثال أرسطو ليس من أصلهم وصف الله بصفات الإثبات بل إنما يصفونه بالنفي أو الإضافات كقولهم: إن الله مبدأ الكائنات وعلة الموجودات.

 وكذا قال الشيعة الباطنية أمثال الفيلسوف ابن سيناء والصوفية الباطنية أمثال ابن عربي.


٣- ومن عقائدهم: تسمية الرب سبحانه وتعالى

(عقلاً وجوهراً) وهو عندهم لا يعلم شيئاً سوى نفسه

ولا يريد شيئاً ولا يفعل شيئاً، ويسمونه( المبدأ)

 و( العلة الأولى)

(ينظر فتاوى شيخ الإسلام -٩/١٤٨)


٤- ومن عقائدهم: أن كلام الله مخلوق.

(ينظر فتاوى شيخ الإسلام-٩/١٤٩)


٥- ومن عقائدهم: في الروح أنها لا حقيقة لها.

فيقولون في الروح: أنها ليست داخل البدن ولا خارجة ولا مباينة ولا مداخلة ولا متحركة ولا ساكنة ولا تصعد ولا تهبط ولا هي جسم ولا عرض.


٦- ومن عقائدهم: نفي معجزات الأنبياء.

ينكر الفلاسفة معجزات الأنبياء بحجة أنها غير معلومة لهم.

(ينظر فتاوى شيخ الإسلام-٩/٥٨)



٧- ومن عقائدهم: إنكارهم بما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن أمور معينة مما كان وسيكون.

وليس في ذلك يمكن معرفته بقياسهم لا البرهاني ولا غيره ، فإن أقيستهم لا تفيد إلا أموراً كلية وهذه أمور خاصة.

(ينظر فتاوى شيخ الإسلام -٩/١٣٤)


٨- ومن عقائدهم: أن الفلاسفة أفضل من الأنبياء.

قال أرسطو اليوناني الذي يسميه الفلاسفة:

(المعلم الأول) : الفيلسوف أعلى درجة من النبي لأن النبي يدرك عن طريق المخيلة بينما الفيلسوف يدرك عن طريق العقل والتأمل.

والمخيلة عند الفلاسفة درجة أدنى من التأمل ، وتابع الفارابي أرسطو في جعل الفيلسوف فوق النبي.

وقولهم هذا مثل قول الصوفية: إن الأولياء أفضل من الأنبياء.


قال شيخ الإسلام في النبوات(٢٨٠): فهؤلاء المتفلسفة ما قدروا النبوة حق قدرها.اهـ


٩- ومن عقائدهم: مخالفة الكتاب والسنة والعقل.

قال شيخ الإسلام في النبوات(٩٣):

والمتفلسفة أشد مخالفة للعقل والسمع.اهـ


١٠- ومن عقائدهم: أن النبوة لا تنقطع بل يبعث الله بعد كل نبي نبياً دائماً ، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس خاتم الأنبياء.

قال شيخ الإسلام في الصفدية(٥٢):

وهؤلاء الملاحدة من المتفلسفة والقرامطة ومن وافقهم يقولون: إن النبوة لها ثلاث خصائص مَن قامت به فهو نبي ، والنبوة عندهم لا تنقطع بل يبعث الله بعد كل نبي نبياً دائماً ، وكثير منهم يقول إنها مكتسبة ، وكان السهروردي المقتول منهم يطلب أن يصير نبياً ، وكذلك ابن سبعين كان يطلب أن يصير نبياً وكانوا يَعْلمون من السحر والسِّيماء ما يُضلون به من يُلبسون عليه.اهـ

(السيماء) نوع من أنواع السحر ، وهو: إحداث خيالات لا وجود لها في الحس وهو علم أسرار الحروف. قاله ابن خلدون في مقدمته(٤/١٢٧١)



١١- ومن عقائدهم: نفي الجن.

الفلاسفة ينفون الجن ويقولون إن الجن قوى نفسية.

( ينظر الصفدية لشيخ الإسلام-١٨٤)



خامساً: ذكر بعض مَن تأثر بالفلسفة ممن يُطلق عليهم (بالفلاسفة الإسلاميين):


تأثر بالفلسفة كثير من أهل الإسلام ، أمثال: الكندي والفارابي وابن الهيثم والسهروردي

وابن رشد والغزالي والرازي وابن سينا وغيرهم

وتعلقوا بالفلسفة تعلقاً شديداً وتكلم بعضهم بأمور فلسفية لم يتكلم بها فلاسفة اليونان.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى(٩/٧٣) عن ابن سينا: وابن سينا تكلم في إشياء من الإلهيات والنبوات والشرائع لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتنا علومهم فإنه استفادها من المسلمين وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام كالإسماعيلية ، وكان هو وأهل بيته وأتباعهم معروفين عند المسلمين بالإلحاد.اهـ



– ولم يستفد الفلاسفة من الفلسفة إلا الحيرة والضياع والتشكيك في الدين ، وكان هذا سبب لتراجع كثير من الفلاسفة عما كانوا عليه.


قال الرازي في آخر مصنفاته: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، اقرأ في الإثبات( إليه يصعد الكلم الطيب)

(الرحمن على العرش استوى)

واقرأ في النفي( ليس كمثله شيء)

(ولا يحيطون به علماً)

قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

(ذكره شيخ الإسلام في النبوات-٩٨)


وينقل عن أبي حامد الغزالي الذي تعمق في علم الفلسفة وذمه العلماء على ذلك ذماً شديداً

ثم تراجع عن الفلسفة في آخر حياته وندم 

وألف كتاباً في ذم الفلاسفة سماه(تهافت الفلاسفة) كشف فيه عوار الفلاسفة ، ووافقهم في بعض المواضع ظناً منه أن ذلك حق أو موافق للملة.


– وهنا خطأ شائع يخطأ به البعض وهو قولهم:(الفلسفة الإسلامية) وهذا خطأ ، لأن الإسلام ليس فيه فلسفة.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى(٩/١٠١):

ليس الفلاسفة من المسلمين ، كما قالوا لبعض أعيان القضاة الذين كانوا في زماننا: ابن سينا من فلاسفة الإسلام؟ فقال: ليس للإسلام فلاسفة.



ختاماً: هذه هي الفلسفة التي يعشقها عدنان إبراهيم  كما يقول ، علم لا يعرف إلا العقل ، والعقل عندهم مقدم على النقل ، فهم يقدمون عقولهم السقيمة على الكتاب والسنة

فعارضوا بعقولهم الفاسدة ما جاء به الأنبياء.


كتبه/

بدر بن محمد البدر

١٤٣٦/٥/٢٦هـ