– مباحث في علم مصطلح الحديث –
– مختلف الحديث –
مختلف الحديث: هو أن يأتي حديثان متضادان في الظاهر فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما.
والنصوص الشرعية في الحقيقة لا تعارض بينها ، وإنما التعارض ناشئ عن قلة علمنا وقصر فهمنا للنصوص.
قال الإمام ابن خزيمة: (لا أعرف عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثين متضادين ، فمن كان عنده فليأتي لأولف بينهما) رواه الخطيب في الكفايه(٤٣٣)
وقال العلامة ابن عثيمين في الأصول(٧٠):
لا يمكن التعارض بين النصوص في نفس الأمر على وجه لا يمكن فيه الجمع ولا النسخ ولا الترجيح لأن النصوص لا تتناقض.اهـ
وقال لي العلامة صالح اللحيدان: النصوص الشرعية لا تعارض بينها.
والمختلف نوعان:
الأول: يمكن فيه الجمع.
فهذا يتعين فيه الجمع ، ويعمل بالحديثين معاً.
مثاله:
حديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: قال رجل مسست ذكري أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : (لا إنما هو بضعة منك)
رواه أحمد(٤/٢٢) وغيره وصححه ابن حبان(١١١٩)
وحديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (من مس ذكره فليتوضأ)رواه أحمد(٦/٤٠٦) وغيره وصححه الترمذي(٨٢)
يجمع بينهما: أن من مس ذكره من وراء حائل فلا شيء عليه ومن مسه بغير حائل فليتوضأ
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ) رواه ابن حبان في صحيحه(١١١٥)
الثاني: لا يمكن فيه الجمع.
فهنا إن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه وتركنا المنسوخ.
مثاله:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خرجت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله على باب عتبان ، فصرخ به ، فخرج يجر إزاره
فقال رسول الله(أعجلنا الرجل) فقال عتبان: يا رسول الله أرأيت الرجل يُجعل امرأته ولم يُمنِ ماذا عليه؟ قال رسول الله( إنما الماء من الماء) رواه مسلم(٣٤٣)
حديث (إنما الماء من الماء) منسوخ ، نسخه حديث
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل وإن لم ينزل) رواه مسلم(٣٤٨)
قال أبي بن كعب رضي الله عنه( إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنه) رواه الترمذي(١١٠) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك.اهـ
ورواه الدارقطني(٤٥٠) عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله في بدِ الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعد) صححه الدارقطني.
– فإن لم نعلم الناسخ من المنسوخ ، رجحنا أحدهما على الآخر.
مثاله:
عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو حلال) رواه مسلم(١٤١١)
وعن ابن عباس( أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو مُحرِم) رواه البخاري(١٨٣٧) ومسلم(١٤١٠)
الراجح حديث أبي رافع أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهو حلال كذا قالت ميمونة رضي الله عنها وهي صاحبة القصة ، وقال أبو رافع رضي الله عنه الذي كنت أنا الوسيط بينهما.
– ووجوه الترجيح كثيرة جداً ، قال الحافظ العراقي في التقييد (٢٧٢) : ووجوه الترجيحات تزيد على المائة.اهـ
توضيح:
قول بعض أهل العلم إذا لم نتمكن من الترجيح
تتساقط النصوص ، التعبير بالتساقط لا ينبغي لأن نصوص الشريعة لا تتساقط ، قال الصنعاني في إسبال المطر(١٠٦): إطلاق التساقط على الأدلة الشرعية خارج عن سنن الآداب السنية.اهـ
والأولى التعبير بالتوقف.
وهنا توضيح آخر: لا يعلم نصوص ظاهرها التعارض توقف فيها العلماء ، وإنما هو الجمع بينها أو معرفة الناسخ والمنسوخ أو ترجيح رواية على أخرى.
كتبه/
بدر بن محمد البدر.
٢٧/٧/١٤٣٦هـ