-كلمات في الدعوة إلى الله.
-الكلمة/ أقسام الكلام.
الحمدُ لله وحده والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد:
عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى وكل بابن آدم ملكين أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات وآخر عن شماله يكتب السيئات.
قال تعالى: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
قوله: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) ، قال مجاهد رحمه الله: (مع كل إنسان ملكان: ملك عن يمينه وملك عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشر) رواه الطبري في تفسيره(٢٢/٣٤٤)
وقوله: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)أي ما يتكلم المرء بشيء إلا كتب عليه ، قال تعالى: (وإن عليكم لحـٰفظين كراماً كـٰتبين)أي يكتبون الخير والشر.
جاء في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المُخطئ أو المسيء فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كُتبت واحدة)
رواه الطبراني في الكبير(٢/٢٥) وأبو نعيم في الحلية(٦/١٢٤)
قال الهيثمي في المجمع(١٠/٢٠٨): رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها وثقوا.اهـ
وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير(٢٠٩٧)
-عباد الله: إن الكلام الذي يتكلم به المرء لا يخلو من ثلاثة حالات:
الأولى: كلام خير: كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك ، وهذا كلام يثاب قائله ، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)
وقال تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات
أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً)
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن بكل تسببحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة)رواه مسلم(١٠٠٦)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)رواه الترمذي(٢٩١٠)وقال:حسن صحيح.
وصححه الألباني في سنن الترمذي(٢٩١٠)
الثانية: كلام شر: كالغيبة والنميمة والكذب والشتم والسب والقذف وغير ذلك ، وهذا كلام يأثم قائله.
قال تعالى: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)
وقال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) رواه البخاري(٦٠٩٤) ومسلم(٢٦٠٧)
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام) رواه مسلم(١٠٥) وفي لفظ له(قتات)
الثالثة: كلام لا خير فيه ولا شر ، وهو الكلام المباح ، الذي لا ثواب فيه ولا عقاب ، لكن إذا كان المباح وسيلة إلى محرم فإنه يخرج عن المباح ويكون محرماً.
قال العلامة السعدي في تفسيره(٦١): قوله تعالى(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم)
كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عليه الصلاة والسلام عند تعلمهم أمر الدين: (راعنا)أي: راع أحوالنا ، فيقصدون بها معنى صحيحاً ، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسداً ، فانتهزوا الفرصة ، فصاروا يخاطبون الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك ، ويقصدون المعنى الفاسد ، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة ، سداً لهذا الباب ، ففيه النهي عن الجائز ، إذا كان وسيلة إلى محرم.اهـ
-عباد الله: هذه أقسام الكلام ، كلام خير ، وكلام شر ، وكلام لا خير فيه ولا شر ، فعلى المسلم أن يتأمل ما يتكلم به قبل أن يتكلم ، فإن كان الكلام خيراً تكلم ، وإن كان شراً سكت.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) رواه البخاري(٦٤٧٥) ومسلم(٤٧)
قال النووي في شرح مسلم(١/١٢٣): قوله(فليقل خيراً أو ليصمت) معناه: أنه إذا أراد أن يتكلم ، فإن كان ما يتكلم به خيراً محققاً يثاب عليه واجباً أو مندوباً فليتكلم ، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح ، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأموراً بتركه مندوباً إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى الكلام المحرم أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيراً أو غالباً.اهـ
وعن شقيق قال: قال عبدالله رضي الله عنه: يا لسان ، قل خيراً تغنم ، واسكت تسلم من قبل أن تندم ، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)رواه الطبراني(٣/٧٨)وابن أبي الدنيا في الصمت(٤١)
قال المنذري في الترغيب(٨/٤): رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.اهـ
وقال الألباني في الصحيحة(٥٣٤): إسناده جيد وهو على شرط مسلم.اهـ
– عباد الله إن الصمت في أحيان كثيرة أفضل من الخوض في كلام لا نفع فيه ، قال أحد السلف: ما علمت أحداً سكت وندم على سكوته ، وعلمت كثيراً ممن تكلم وندم على كلامه.
عن أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعاً: (لا تَكلَّم بكلام تعتذر منه غداً)
رواه أحمد(٢٣٤٩٨) وابن ماجه(٤١٧١) وأودعه الألباني في الصحيحة(٤٠١)
ومن أراد السلامة فليزم الصمت ، فإن الصمت نجاة لصاحبه.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صمت نجا) رواه الترمذي(٢٥٠١) وصححه في سنن الترمذي(٢٥٠١)
-والله أعلم.
-كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
٢٥ ربيع الآخر ١٤٣٩هـ