كلمات في الدعوة إلى الله – وصايا لقمان الحكيم لإبنه

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة/ وصايا لقمان الحكيم لابنه.

عباد الله: إن وصية الوالد لولده من أنفع الوصايا وأحسنها ، لأنها وصية أب مشفق على ولده يحب له الخير ويخاف عليه من الشر ، ومن الوصايا النافعة للأبناء ، وصايا لقمان لابنه.
قال تعالى: (وإذ قال لقمـٰن لابنه وهو يعضه يـٰبنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلمـ عظيمـ)وقال: (يـٰبنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السمـٰوٰت أو في الأرض يأت بها الله)وقال: (يـٰبنى أقمـ الصلوٰة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).

هذه وصايا لقمان لابنه ، يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه ، فهو حقيق أن يمنحه أفضل الوصايا ، ووصايا لقمان وإن كانت لابنه إلا أنها وصايا عامة لعموم المسلمين ، وقد اشتملت وصاياه على عدة أمور:

الأول: النهي عن الشرك ، (يـٰبنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلمـ عظيمـ)
قال العلامة السعدي في تفسيره(٧٦١): وجه كون الشرك عظيماً ، أنه لا أفظع وأبشع ممن سوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب ، وسوّى الذي لا يملك من الأمر شيئاً بمن له الأمر كله ، وسوّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه.اهـ

والشرك هو جعل شريك لله في ألوهيته أو ربوبيته أو أسمائه وصفاته.
نهاه عنه لأنه أظلم الظلم وأكبر الكبائر ، والنهي عن الشرك أمر بالتوحيد ، لأن النهي عن الشيء أمر بضده .
والتوحيد إفراد الله بالعبادة أي إفراد الله بأفعال العباد التي شرعها الله عزوجل لهم.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

والعبادة لله هي التي خلق الله الخلق لها ، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

وهي التي أرسل جميع الرسل يدعون لها ، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)

الثاني: الوصية بإخلاص العمل لله عزوجل ، وأن الله عزوجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وقال:(يـٰبنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السمـٰوٰت أو في الأرض يأت بها الله)

قال العلامة السعدي في تفسيره(٧٦٢): المقصود من الآية الحث على مراقبة الله ، والعمل بطاعته مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح قل أو كثُر.اهـ

فالواجب على العبد المسلم طاعة ربه عزوجل ، بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وإذا عمل عملاً فليجعل عمله خالصاً لله عزوجل لا شرك فيه ولا رياء ولا سمعه.

قال تعالى: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص)
وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغي به وجهه) رواه النسائي(٢٩٤٣)
وحسنه العراقي في تخريج الإحياء(٤/٣٢٨)والألباني في الصحيحة(٥٢)

الثالث:الوصية بإقامة الصلاة. قال: (يـٰبنى أقمـ الصلوٰة)
وإقام الصلاة أعم من الأمر بالصلاة ، لأن إقام الصلاة يشمل الإتيان بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها، وعامة النصوص الشرعية من الكتاب والسنة جاءت بالأمر بإقامة الصلاة ، قال تعالى(وأقيموا الصلوٰة وءاتوا الزكوٰة)وقال(إن الذين ءامنوا وعملوا الصـٰلحـٰت وأقاموا الصلوٰة وءاتوا الزكوٰة)

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس) وذكر(وإقام الصلاة) رواه البخاري(٨) ومسلم(٢٢).

الرابع: الوصية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر)
المعروف: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.
والمنكر: اسم جامع لكل ما ينهى عنه الله ويأباه.
وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المكنر أن يأمر بالمعروف بمعروف ولا ينهى عن المنكر بمنكر.
وعليه بالرفق مع الناس ، والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، وأن يجتنب الفحش ومساوي الأخلاق.

الخامس: الوصية بالصبر ، قال: (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)
الصبر: حبس النفس على طاعة الله ، وحبس النفس عن معصية الله ، وحبس النفس على أقدار الله المؤلمة.
وقوله(واصبر على ما أصابك) هذا أمر بالصبر على أقدار الله المؤلمة.
والمؤمن يبتلى على قدر إيمانه ، والناس عند المصائب ينقسمون إلى قسمين:
الأول: من يصبر ويحتسب ، إذا أصابته مصيبة قال:(إن لله وإن إليه راجعون) أو قال: (الحمد لله على كل حال).
وهذا على خير ، قال تعالى: (وبشر الصابرين) وقال تعالى: (إن الله مع الصابرين) وقال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
والصبر يكون عند الصدمة الأولى ، قال أنس رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام:(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)
رواه البخاري(٢/٣٢٣)

والثاني: من يتسخط على أقدار الله.
إما يتسخط بقلبه ، والتسخط بالقلب هو أن يكون في قلبه شيء على ربه والعياذ بالله.
أو يتسخط بلسانه ، والتسخط باللسان يكون بالدعاء بالويل والثبور.
أو يتسخط بجوارحه ، والتسخط بالجوارح يكون بلطم الخدود وضرب الصدور.
والتسخط محرم ولا يجوز ، وهو منافٍ للصبر الذي أمر الله به ، ودليل على ضعف الإيمان بالقضاء والقدر.

السادس: النهي عن التكبر ، قال: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور)
عن ابن عباس رضي الله عنه (ولا تُصعر خدك للناس) قال: ولا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك) رواه الطبري في تفسيره(٢١٤١٢)
والنهي عن الكبر أمر بضده وهو التواضع.
والكبر وهو الترفع على الناس واحتقارهم.
وهو محرم ، ونص الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر(٩٢) أن الكِبر من كبائر الذنوب.

– والكبر نوعان:
الأول: كبر على الحق ، وهو عدم قبول الحق ورده.
الثاني: كبر على الخلق ، وهو الترفع على الناس واحتقارهم.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الكبر: بطرُ الحق وغمطُ الناس) رواه مسلم(٩١) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

السابع: بالاعتدال في المشي ، والاعتدال في الكلام ، قال: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
قوله: (واقصد في مشيك)أي كن معتدلاً في مشيك لا تعدو عدواً ولا تتماوت في المشي ، وكن بين ذلك.

وقوله: (واغضض من صوتك)أي اخفض من صوتك حال الكلام ولا ترفعه، وعليك بالاعتدال.
فعلى المسلم إذا تكلم أن يتوسط في كلامه لا يرفع صوته ولا يخفظه.
قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي عليه الصلاة والسلام(لم يكن رسول الله عليه الصلاة والسلام فاحشاً ، ولا صخَّاباً في الأسواق)رواه الترمذي(٢٠١٦)وصححه.
والصخاب هو شديد الصوت صياحاً.

-عباد الله: هذه الوصايا التي أوصى بها لقمان لابنه ، جمعت أمهات الحكم ، نهاه عن الشرك وأمره بالتوحيد ، وأمره بطاعة الله وإخلاص العمل له ، وأمره بإقام الصلاة ، وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمره بالصبر على أقدار الله المؤلمة ، ونهاه عن التكبر وأمره بالتواضع ، ونهاه عن رفع الصوت من غير حاجة وأمره بالاعتدال.

-هذا والله أعلم.

-كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية

٩ جمادى الأول ١٤٣٩هـ