@ التحقيق في حجية مسند الإمام أحمد @

– مباحث في علم مصطلح الحديث –
– التحقيق في حجية مسند الإمام أحمد –

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يعد من أكبر المراجع الحديثية عند أهل العلم ، لكثرة ما روى فيه من الأحاديث.
وقد قال رحمه الله عنه : إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلا ليس بحجة.(المصعد الأحمد لابن الجزري-٣١)
وقال أيضاً لابنه عبدالله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً.(السير-١١/١٨١)

وقد تنازع الأئمة في مسند أحمد هل كل ما فيه
من الأحاديث صحيحة أو روى فيه الصحيح والضعيف.

– ذهب طائفة من الحفاظ منهم أبو موسى المديني إلى صحة كل ما في المسند.
قال الحافظ أبو موسى المديني في خصائص المسند(٢٧): ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً ولم يورد فيه إلا ما صح عنده،
على ما أخبرنا أبو علي قال حدثنا أبو نعيم(ح)
وأخبرنا ابن الحصين قال أخبرنا ابن المذهب قال أخبرنا القطيعي قال حدثنا عبدالله قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال(يُهلك أمتي هذا الحي من قريش،قالوا:فما تأمرنا يا رسول الله قال:لو أن الناس اعتزلوهم)
قال عبدالله:قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه:اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، يعني خلاف قوله(اسمعوا وأطيعوا واصبروا)
قال أبو موسى: وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه،فقال عليه ما قلناه وفيه نظائر له.
وذكر الحافظ أبو موسى المديني رحمه الله أمثلة أخرى ثم قال: قد روى لابنه الحديث لكنه ضرب عليه في المسند لأنه أراد أن لا يكون في المسند إلا الثقات ويروي في غير المسند عمن ليس بذاك.اهـ

قيل إنه لم يشترط حجية كل ما في مسنده وكلامه لا يدل على هذا ، بل أدخل فيه ما صح عنده وما لم يصح.

وذهب طائفة من الحفاظ منهم القاضي أبو يعلى وابن الجوزي وشيخ الأسلام وغيرهم ، إلى عدم صحة كل ما في المسند بل فيه الصحيح وغير الصحيح.

قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر(٢٤٥):
الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء ثم قد رد كثيراً مما روى ولم يقل به ولم يجعله مذهباً له ، أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ:مجهول! ومن نظر في كتاب العلل الذي صنفه الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند وقد طعن فيها أحمد.
وقال أيضاً: ونقلت من خط القاضي أبي يعلى في مسألة النبيذ،إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر ولم يقصد الصحيح ولا السقيم ويدل على ذلك أن عبدالله قال: قلت لأبي: ما تقول في ربعي بن خراش عن حذيفة؟ قال: الذي يرويه عبدالله بن أبي رواد؟ قلت: نعم ، قال: الأحاديث بخلافه،
قلت فقد ذكرته في المسند؟ قال: صدقت في المسند المشهور ، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه.
ثم قال القاضي: وقد أخبر عن نفسه كيف طريقته في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه وترك مقصده.اهـ

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى(١٨/٧٢):
ليس كل ما رواه في المسند حجة عنده،وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروف بالكذب عنده وإن كان في ذلك ما هو ضعيف.اهـ

لاشك أن في المسند أحاديث صحاح كثيرة جداً
وهي أصح من غيرها في الكتب المصنفة.
قال الحافظ الهيثمي: إن مسند أحمد أصح صحيحاً من غيره، ولا يوازي مسند أحمد كتاب في كثرته وحسن سياقه.(الفتح الرباني-١/٨)

والمسند كتاب متلقى بالقبول عند العلماء.
قال الحافظ ابن حجر في القول المسدد(٢):هذا المصنف العظيم- أي المسند- الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم وجعله إمامهم حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه.اهـ

لكن هذا لا يدل على صحة كل ما فيه لعدة أمور:

أحدهما: أنه لم يشترط صحة كل ما فيه ، وقد قال القاضي أبو يعلى : وقد أخبر عن نفسه كيف طريقته في المسند فمن جعله أصلاً للصحة فقد خالفه وترك مقصده.(ذكره ابن الجوزي في صيد الخاطر-٢٤٥)
وأما قوله رحمه الله عن مسنده( فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلا ليس بحجة)
فقد أجاب عنه الإمام ابن الجزري في المصعد الأحمد(٣٦) بقوله: وأما قوله فما اختلف فيه من الحديث رجع إليه وإلا فليس بحجة، يريد أصول الأحاديث ، وهو صحيح فإنه ما من حديث غالباً إلا وله أصل في المسند.اهـ

ثانيهما: روايته في مسنده أحاديث ضعفها في مواضع أخرى منها:
١- عن الزهري عن عبدالرحمن بن أزهر قال: (رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يتخلل الناس يوم حنين…) رواه في المسند(١٦٧٨٦)
قال الأثرم قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل الزهري سمع من عبدالرحمن بن أزهر؟ قال: ما أُراه سمع من عبدالرحمن بن أزهر.
(المراسيل-٧٠٠)

٢- عن عمران بن حصين مرفوعاً ( ما شبع آل محمد من خبز بر ) رواه في المسند(٤/٤٤١)
قال الخلال في المنتخب من العلل(٥٠): أمر أحمد بالضرب عليه.اهـ

٣- عن أنس مرفوعاً ( إن هذا الدين متين )
رواه في المسند(٣/١٩٩)
قال الخلال في المنتخب من العلل(٩٠): قال أحمد:منكر.اهـ

ثالثهما: روايته لبعض الرواة ممن ضعفهم في كتب الرجال.
منهم:
١- إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة ، روى له حديثاً واحداً عن سلمة بن صخر الزرقي.
رقم(١٦٣٩٨)
قال المروذي سألت أحمد عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة : فنفض يده وضعفه وأنكره.
الجامع في العلل والرجال(١/٤١)

٢- السري بن إسماعيل الهمداني ، وروى له حديثاً واحداً عن النعمان بن بشير.
رقم(١٨٣٦٧)
قال الميموني: ذكر أبو عبدالله : السري بن إسماعيل، فقال: ترك الناس حديثه.
الجامع في العلل والرجال(١/٥٧)

تنبيه:
أكثر الأحاديث الضعاف في مسند الإمام أحمد لها شواهد ومتابعات أو مندرجه تحت أصول صحيحة تعضدها.

كتبه
بدر محمد البدر