– السلسلة التعريفية بالكتب الحديثية ، رقم (٨٢)
– صحيح ابن خزيمة.
صحيح ابن خزيمة ، للإمام الحافظ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ، اسمه:(مختصر المختصر من المسند الصحيح) هكذا سماه مصنفه.
قال ابن خزيمة في أول صحيحه(١/٥): كتاب الوضوء ، مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه عليه الصلاة والسلام من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار التي نذكرها بمشيئة الله تعالى.اهـ
واشتهر عند المتأخرين كالمنذزي والدمياطي والزيلعي وابن حجر والسيوطي وخلق سواهم ، باسم: (صحيح ابن خزيمة).
– وصحيح ابن خزيمة ، مختصر من كتابه المسند الكبير ، لم يوجد من صحيحه سوى ربعه الأول ، كما صرح بذلك غير واحد من العلماء منهم الدمياطي في المتجر الرابح(١٠) ، وابن حجر في إتحاف المهرة(١/١٦٠).
والمطبوع من صحيحه كتاب العبادات ، كتاب الوضوء وكتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصيام وكتاب الحج ، وباقي الكتاب مفقود.
– وصحيحه من الكتب التي صنفت في الصحيح المجرد ، وهو أصح كتب الصحاح بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وذلك لشدة تحريه ، حتى أنه يتوقف في تصحيح الحديث لأدنى كلام في السند.
قال الحافظ ابن عدي في الكامل(١/٣٣): وصحيح ابن خزيمة الذي قرظه العلماء بقولهم(صحيح ابن خزيمة) فإنه أصح ما صنف في الصحيح المجرد بعد الشيخين البخاري ومسلم.اهـ
قلت: وقد رماه بعض العلماء بالتساهل في التصحيح ، وفي رميه بالتساهل نظر ، فإنه كان شديد التحري في انتقاء الصحيح ، وأما الأحاديث الضعاف التي رواها في صحيحه فيجاب عنها بما يلي:
١- أحاديث رواها وتوقف ابن خزيمة في صحتها بقوله: (إن صح الخبر) أو(إن ثبت الخبر) ، وأكثر الأحاديث التي ضُعفت في صحيحه من هذا القبيل.
٢- أحاديث رواها لبيان ضعفها وعدم صحتها.
٣- أحاديث رواها لاعتضادها بغيرها إما بشاهد أو متابع أو عمل الأمة عليها.
٤- أحاديث اجتهد في تصحيحها ، وهي عند غيره لا تصح.
– تنبيه:
قول بعض العلماء:(صححه ابن خزيمة)
لا يحسن اطلاقها إلا إذا سلم الحديث من تعليق الإمام ابن خزيمة عليه ، فكم من حديث ، قيل عنه: (صححه ابن خزيمة) ولم يصححه.
مثال ذلك:
قول الحافظ ابن حجر في الفتح(٤/١٩١) في تخريج حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صوم الدهر).
وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة.اهـ
قلت: ابن خزيمة لم يصححه بل قال: (إن صح الخبر).
قال ابن خزيمة في صحيحه(٣/٢٣٨): باب التغليظ في إفطار يوم من رمضان متعمداً من غير رخصة إن صح الخبر فإني لا أعرف ابن المطوس ولا أباه.
ثم ساق الحديث.
– عدة أحاديثه:
بلغت أحاديثه (٣٠٧٩) كلها مرفوعة ، سوى بعض الآثار الموقوفة وهي يسيرة جداً.
– عاداته في صحيحه:
١- من عاداته: أنه يعتني في تراجم الأبواب ، تارة يطيل في الترجمة وتارة لا يطيل ، وقيل إن فقه ابن خزيمة في تراجم أبوابه.
مثاله:
قال ابن خزيمة(٢٧) باب ذكر الخبر الدال على أن خروج الدم من غير مخرج الحدث لا يوجب الوضوء.
وقال ابن خزيمة(١٠٦) باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة.
٢- ومنها: إذا روى الحديث أكثر من راو يبين لمن اللفظ أحياناً.
مثاله:
حديث (١٢) قال ابن خزيمة ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان. وحدثنا أبو موسى ثنا عبدالرحمن بن عوف ثنا سفيان عن علقمة عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام:(كان يتوضأ عند كل صلاة…)
قال ابن خزيمة: هذا حديث عبدالرحمن بن مهدي.
٣- ومنها: إذا كان الحديث غريباً ، ينص على غرابته ، بقوله:(خبر غريب) أو (خبر غريب غريب)
مثاله:
حديث(١٣) قال ابن خزيمة ثنا علي بن الحسين الدرهمي بخبر غريب غريب.
٤- ومنها: أنه يذكر معنى الحديث أحياناً.
مثاله:
حديث(٢٩) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً:(إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول:إنك قد أحدثت ، فليقل: كذبت…)
قال ابن خزيمة: قوله:(فليقل كذبت) أراد فليقل: كذبت بضميره لا ينطق بلسانه إذ المصلي غير جائز له أن يقول: كذبت نطقاً بلسانه.اهـ
٥- ومنها: أنه يذكر أحياناً إجماع العلماء على صحة الحديث.
مثاله:
حديث(٣١) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال:يا رسول الله أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:(إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)…
قال ابن خزيمة: لم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل.
وحديث(٣٢) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:أصلي في مبارك الإبل؟قال:(لا)…
قال ابن خزيمة: ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضاً صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه.
٦- ومنها: أنه ينقل أقوال الأئمة في الأحكام الفقهية أحياناً.
مثاله:
قال ابن خزيمة(١/٢٢): وكان الشافعي رحمه الله يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعاً لخبر بسرة بنت صفوان ، لا قياساً.
قال ابن خزيمة: وبقول الشافعي أقول.
٧- ومنها: إذا كان الحديث ضعيفاً أو معلولاً يبين ذلك.
مثاله: حديث(٣٧) عن الأعمش عن شقيق عن عبدالله رضي الله عنه قال:(كنا نصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام فلا نتوضأ من موطئ)
قال ابن خزيمة:هذا الخبر له علة ، لم يسمعه الأعمش عن شقيق ، لم أكن فهمته في الوقت الذي أمليت هذا الخبر.اهـ
وحديث(٣٨) عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام أكل عظماً أو قال لحماً ثم صلى ولم يتوضأ).
قال ابن خزيمة: خبر حماد بن زيد غير متصل الإسناد ، غلطنا في إخراجه ، فإن بين هشام بن عروة وبين محمد بن عمرو بن عطاء ، وهب بن كيسان ، كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان وعبدة بن سليمان.اهـ
٨- ومنها: إذا كان الحديث منسوخاً ، ينص على نسخه.
مثاله:
قال ابن خزيمة(٣١) باب ذكر الدليل على أن ترك النبي عليه الصلاة والسلام الوضوء مما مست النار أو غيرت ناسخ لوضوئه كان مما مست النار أو غيرت.
وقال(١٧٤) باب ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود منسوخ ، وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ ، إذ كان الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين مقدماً والأمر بوضع الركبتين قبل اليدين مؤخراً فالمقدم منسوخ والمؤخر ناسخ.
٩- ومنها: أنه يبين حال الراوي أحياناً.
مثاله:
قال ابن خزيمة(١/٢٩): سمعت محمد بن أبان يقول سمعت ابن إدريس يقول قلت لشعبة: ما تقول في مهدي بن ميمون؟ قال: ثقة.
وقال(١/٢١٣): عاصم العنزي وعباد بن عاصم مجهولان لا يدرى من هما.
وقال(١/٢١٣): حارثه بن محمد ، ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه.
وقال(٢/٥٨٨): سمعت محمد بن يحيى يقول: حجاج الصواف متين ، يريد أنه ثقة حافظ.
وقال(٢/٨١٩): أبو حازم سلمة بن دينار ، ثقة لم يكن في زمانه مثله.
وقال(٣/١١٤٨): ابن أبي ليلى ليس بالحافظ وإن كان فقيهاً عالماً.
١٠- ومنها: أنه يذكر اسم الراوي المهمل أحياناً.
مثاله:
قال ابن خزيمة(١/٢٩): محمد بن أبي يعقوب ، هو محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب نسبه إلى جده ، هو الذي قال عنه شعبة: حدثني محمد بن أبي يعقوب سيد بني تميم.اهـ
١١- ومنها: أنه يبين المقلوب في المتن أو السند.
مثاله:
قال ابن خزيمة(١/٣٧): هذا الشيخ هو عياض بن هلال ، روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث.
وأحسب الوهم من عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض.
وقال (١/١٦٥): هذه اللفظة (لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) قد خولف فيها يحيى بن سعيد ، فقال من روى هذا الخبر غير يحيى (لا تعلم شماله ما ينفق يمينه).
١٢- منها: أن يفسر غريب الحديث أحياناً.
مثاله:
حديث(١١٦) عن أنس رضي الله عنه قال:(كان النبي عليه الصلاة والسلام يتوضأ بمكوك…)
قال ابن خزيمة: المكوك في هذا الخبر المد.
وحديث(٧٢٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(حولهما ندندن)
قال ابن خزيمة: الدندنة الكلام الذي لا يفهم.
وحديث(٢٥٢٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(لا تسافر امرأة بريداً إلا ومعها ذو محرم)
قال ابن خزيمة: البريد ثنا عشر ميلاً بالهاشمي.
١٣- ومنها: أنه إذا روى عن ضعيف يقرن روايته بغيره.
مثاله:
حديث(١٤٦) قال ابن خزيمة نا أحمد بن عبدالرحمن نا عمي أخبرني ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي…
قال ابن خزيمة: ابن لهيعة ليس ممن أخرج حديثه في هذا الكتاب إذا تفرد بروايه ، وإنما أخرجت هذا الخبر لأن جابر بن إسماعيل معه في الإسناد.
١٤- ومنها: إذا شك في صحة الحديث يقول في الترجمة(إن صح الخبر)
مثاله:
قال ابن خزيمة(١٠٥) باب فضل السواك وتضعيف فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها إن صح الخبر.
١٥- ومنها: أنه يبين المتفق والمفترق ، والمؤتلف والمختلف في أسماء الرواة.
مثاله:
حديث (٥٤٦) عن محمد بن عباد قال أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبدالله بن عمرو العاص وعبدالله بن المسيب عن عبدالله بن السائب…
قال ابن خزيمة: ليس هو عبدالله بن عمرو بن العاص السهمي.
وحديث(١٧٠٥)عن ابن جريج ثنا عمر بن عطاء.
قال ابن خزيمة: عمر بن عطاء بن أبي الخوار هذا ثقة ، والآخر هو عمر بن عطاء تكلم أصحابنا في حديثه لسوء حفظه ، وقد روى ابن جريج عنهما جميعاً.
وحديث(٢١٦١) عن معاوية عن أبي بشر.
قال ابن خزيمة: أبو بشر هذا شامي ، وليس بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية صاحب شعبة وهشيم.
١٦- ومنها: أنه يسمي المبهم أحياناً.
مثاله:
حديث(٢١٨٥) عن معاذ بن عبدالله بن خبيب عن أخيه فلان بن عبدالله بن خبيب.
قال ابن خزيمة: هذا الرجل الذي لم يسمه ابن عليه هو عبدالله بن عبدالله بن خبيب.
١٧- ومنها: إذا كان الحديث المرسل له عاضد يعضده ، رواه مع عاضده.
مثاله:
حديث(١٥١٨) رواه مرسلاً عن عطاء بن دينار.
وحديث(١٥١٩) رواه موصولاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال ابن خزيمة: أمليت الجزء الأول وهو المرسل لأن حديث أنس الذي بعده حدثناه عيسى في عقبة بمثله ، لولا هذا لما كنت أخرج الخبر المرسل في هذا الكتاب.
١٨- ومنها: أنه يذكر أحياناً
البلد الذي سمع فيه الحديث من شيخه.
مثاله:
قال ابن خزيمة(٣٥٦): حدثنا محمد بن علي بن محرز بالفسطاط.
وقال ابن خزيمة(١٣٢١) حدثنا محمد بن عمرو بن العباس ببغداد.
١٩- ومنها: أنه يذكر أحياناً بلد الراوي.
مثاله:
قال ابن خزيمة(٥٢٨): أبو المنهال هو سيار بن سلامة ، بصري.
وقال(١٤٧٣): عثمان بن حكيم ، أصله مدني سكن الكوفة.
٢٠- ومنها: أنه يترجم للرواة أحياناً.
مثاله:
قال ابن خزيمة(١٦٠): أبو القاسم الجدلي هذا هو الحسين بن الحارث ، من جديلة قيس ، روى عنه زكريا بن أبي زائدة وأبومالك الأشجعي وحجاج بن أرطأة وعطاء بن السائب ، عداده في الكوفيين.اهـ
وقال(٧٧٨): موسى بن إبراهيم هذا هو ابن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي ربيعة هكذا نسبه عطاف بن خالد.
وأنا أظنه ابن إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن أبي ربيعة ، أبوه إبراهيم هو الذي ذكره شرحبيل بن سعد أنه دخل وإبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر على جابر بن عبدالله في حديث طويل ذكره.اهـ
٢١- ومنها: أنه إذا كرر الحديث يكرره لكثرة فوائده ويقطعه أحياناً ويختصره أحياناً.
مثاله:
حديث(٦٠٨) أبي سعيد الساعدي رضي الله عنه في صفة الصلاة ، كرره أكثر من عشر مرات.
وقطعه في مواضع واختصره في أخرى.
٢٢- ومنها: أنه يبين المصحف.
مثاله:
حديث(٢٥٦٠) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه مرفوعاً:( وكفوا مواشيكم وأهليكم من عند غروب الشمس إلى أن تذهب – قال لنا عيسى- فحوة العشاء)
قال ابن خزيمة: وهذا علمي تصحيف ، إنما هو فجوة العشاء اشتد الظلام ، هكذا قال غير يوسف في هذا الخبر (فجوة).اهـ
قلت: جاء في تحقيق صحيح ابن خزيمة ، لصالح اللحام:هكذا قال غير يوسف في هذا الخبر(فحوة).
وفي تحقيق الأعظمي(فجوة).
وما أثبته الأعظمي أصح ، وهو مراد ابن خزيمة بخلاف ما أثبته اللحام.
٢٣- ومنها: أن يبين المدرج:
مثاله:
قال ابن خزيمة(٣/١٢٠٤): في حديثه مدرجاً (والنص أرفع من العنق) وفي حديث وكيع مدرجاً في الحديث(يعني فوق العنق).
كتبه/
بدر بن محمد البدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بحفر الباطن
١٩ ذو القعدة ١٤٣٧هـ