كلمات في الدعوة إلى الله:
-الكلمة/ شرح حديث:(ثلاث مهلكات).
-عباد الله: إن من الصفات المذمومة ، التي ذمها النبي عليه الصلاة والسلام ، وحذرنا منها ، وأخبر أنها مُهلكة تُوقع من فعلها بالهلاك ، هلاك في الدنيا وهلاك في الآخرة.
ثلاث صفات: الشح المطاع واتباع الهوى والعُجب.
جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث مهلكات: شحُّ مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه). رواه الطبراني في الأوسط(٥٧٥٤)
وله شواهد منها: عن أبي هريرة رواه البيهقي في الشعب(٧٠٠٣) وعن أنس رواه البزار(٨٠)
وعن ابن عباس رواه أبونعيم في الحلية(٣/٢١٩)
والحديث حسنه بمجموع طرقه ، المنذري في الترغيب والترهيب(١/١٦٢) والألباني في الصحيحة(٤/٤١٣)
-الصفة الأولى: الشح المطاع.
قال: (شح مطاع) الشح هو البخل ، وقيل أعم من البخل ، وأشد ذماً وقبحاً منه.
قال ابن الآثير في النهاية(١/٨٤٦): الشح أشد البخل ، وهو أبلغ في المنع من البخل ، وقيل: هو البخل مع الحرص ، وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها والشح عام ، وقيل: البخل بالمال والشح بالمال والمعروف.اهـ
-والشح خُلُق ذميم.
قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).يعني من سلم من الشح أفلح.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم(٢٥٧٨)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (وإياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا)
رواه أحمد(٦٤٨٧) وصححه ابن حبان(٥١٥٤)
والحاكم(١/١١)والألباني في الصحيحة(١٤٦٢)
والشح المطاع هو البخل الذي يطيعه الناس وينقادون له ويمنعون بسببه الحقوق ، يمنعون حقوق الله ، ويمنعون حقوق عباد الله.
حقوق الله كالبخل بالزكاة.
وحقوق عباد الله كالبخل بالصدقة والبخل بالنصح والتوجيه وفعل الخير.
قال العلامة الصنعاني في التنوير(٥/١٧٨): قال الراغب: خص الشح بالمطاع لينبه على أن الشح في النفس ليس مما يستحق الذم إذ هو ليس من فعله وإنما يذم بالانقياد له.اهـ
-الصفة الثانية: هوى متبع.
قال: (وهوى متبع) هو أن يتبع المرء هواه في كل شيء يُريده حتى في معصية الله عزوجل.
قال العلامة المناوي في الفيض(٣/٣٧٤): قوله: (وهوى متبع) بأن يتبع كل أحد ما يأمره به هواه.اهـ
وقال العلامة الصنعاني في التنوير(٥/١٧٨): هوى متبع أي يتبعه صاحبه ويجعله كالزمام يقوده إلى كل مهلكة.اهـ
والهوى نوعان:
الأول: هوى مذموم: وهو أن يقدم المرء هواه على كل شيء ، قال تعالى في ذمه: (واتبعوا أهواءهم) يعني اتبعوا أهواءهم ورفضوا قبول الحق.
وقال تعالى: (أفرءيت من اتخذ إلهه هوىـٰه وأضله الله على علمـ وختمـ على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشـٰوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون). أي أفرءيت من اتخذ هواه إلهاً له فلا يهوى أمراً من الأمور إلا فعله ، إذا هوى الكفر فعله ، وإذا هوى البدع فعلها ، وإذا هوى كبائر الذنوب فعلها ، وإذا هوى صغائر الذنوب فعلها ، ولا ينقاد للأدلة الشرعية إذا ذُكر بها ، ولا يسمع نصح الناصحين إذا نُصِح ، بسبب هواه الذي منعه من قبول الحق وزين له الباطل ، ومن لم يقبل الحق ابتلي بقبول الباطل.
والثاني: هوى ممدوح: وهو أن يتبع المرء ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) رواه ابن أبي عاصم في السنة(١٥)
وصححه النووي في الأربعين(٤١) وابن الملقن في المعين(٤٣٤)وقال الحافظ ابن حجر في الفتح(١٣/٣٠٢): رجاله ثقات.اهـ
وضعفه بعض الحفاظ ، ولا يضر فإن ضعفه يسير ، وورد في القرآن الكريم ما يعضده ، كقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).
قال العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في قرة العيون(١٩٢): حديث(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) شاهده من القرآن قوله تعالى(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ونحو ذلك من الآيات.اهـ
-الصفة الثالثة: العُجب.
قال: (وإعجاب المرء بنفسه) ، العجب هو إعجاب الإنسان بعمله.
وهو محرم ، ونص الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر(٩٢) والإمام محمد بن عبدالوهاب في الكبائر(٢٧) أن العُجب من كبائر الذنوب.
قال العلامة المناوي في الفيض(٣/٣٧٤): قوله(وإعجاب المرء بنفسه) أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحاً.اهـ
وقال العلامة صالح الفوزان في شرح الكبائر(٣٣):الإعجاب بالنفس مهلك لها ، فالمذنب التائب خير من المطيع المُعجب ، ولذلك لما تعاظم إبليس بنفسه ، حلت عليه اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى ، ولما تواضع آدم عليه السلام واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، رفعه الله عزوجل ، وصار في معصية آدم عليه السلام مصلحة له ، لأنه تواضع وخاف من الله تعالى وتاب إليه.اهـ
-العُجب المرء بنفسه له أسباب:
-منها: مدح المرء نفسه ، كأن يفتخر بخَلقِه أو ملكه أو علمه أو عمله أو ماله أو نسبه أو غير ذلك ، قال تعالى: (ولا تزكوا أنفسكم).
قال تعالى عن إبليس لما أصابه العجب: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) عجب بخلقه أنه خُلق من نار وخُلق آدم عليه السلام من طين ، فكانت عاقبة هذا العُجب (قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين).
وقال تعالى عن فرعون لما أصابه العجب: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)عجب بملكه ، فكانت عاقبته (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين).
وقال تعالى عن قارون لما أصابه العجب: (قال إنما أوتيته على علم عندي) عجب بماله وأنه عالم بأمور التجارة ، فكانت عاقبة هذا العجب
(فخسفنا به وبداره الأرض).
-ومنها: مدح المرء لآخر في الوجه ، جاء في الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلاً ذُكر عند النبي عليه الصلاة والسلام فأَثنى عليه رجل خيراً ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ويحك قطعت عُنُق صاحبك) ردده مراراً. رواه البخاري(٦٠٦١) ومسلم(٣٠٠٠)
قال العلامة الفوزان في شرح الكبائر(٢٩): حينما يمدح إنسان شخصاً آخر في وجهه فإن هذا من شأنه أن يجعل الممدوح يتعاظم في نفسه ويعجب بعمله ، ولهذا يُكره ذلك ، وأما الثناء على الشخص في حال غيابه فهو يدخل في باب الذكر الحسن.اهـ
-عباد الله: هذه الصفات الثلاث التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها مهلكة.
وهي الصفات التي خاف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الناس منها.
يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال: شحٌّ مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه) رواه ابن عبدالبر في الجامع(٩٦٠)
اللهم إنا نعوذ بك من الشح المطاع والهوى المتبع والإعجاب بالنفسه.
كتبه/
بدر محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد
١١ ذو القعدة ١٤٣٨هـ