-الرد السابع عشر / على المعتزلي عدنان إبراهيم في زعمه أن الصحيحين فيها اسرائليات.
قال المعتزلي عدنان إبراهيم: ( والصحيحان فيهما أحاديث اسرائلية )
يجاب على فريته بما يلي:
أولاً : ما هي الاسرائليات:
الاسرائليات لغة : جمع إسرائيلية ، نسبة إلى إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام.
وقيل إن النسبة فيها إلى بني إسرائيل وهم أبناء يعقوب.
واصطلاحاً: هي الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل من اليهود النصارى.
قولنا: (الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل)
أي أن الاسرائليات هي ما نقل عن كتب بني إسرائيل ، وخرج بهذا ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام عن بني إسرائيل عن طريق الوحي فهذا لا يسمى اسرائليات ، وإنما هو إخبار عن الأمم السابقة تلقاه النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي كحديث (دخلت النار امرآة في هرة) وحديث ( المرأة البغي التي سقت كلباً فغفر الله لها) وغيرها من الأحاديث المخرجة في الصحيحين ، فهذه ليست من الاسرائليات ، لأن الاسرائليات هي ما نُقل عن كتب بني إسرائيل ، وأما ما حدث به النبي عليه الصلاة والسلام عن الأمم السابقة فهذا لا يسمى اسرائليات ، هذا إخبار عن بني إسرائيل تلقاه عن طريق الوحي.
والواجب على كل مسلم أن يصدق بما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لأنه حق فهو الصادق المصدوق ، وتصديقه فيما أخبر داخل في معنى شهادة(أن محمداً رسول الله)
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب في الأصول الثلاثة(٧٨): ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.اهـ
– ثانياً: يقال لعدنان إبراهيم: ما هي الأحاديث الإسرائليلة التي في الصحيحين ؟ ومَن سبقك بهذا القول؟ وكيف عرفت إنها من الاسرائليات؟
فإن أراد بالاسرائليات ما حدث به النبي عليه الصلاة والسلام عن الأمم السابقة ، فليزم من قوله أن القرآن فيه إسرائليات ، لأن الله سبحانه وتعالى أخبر عن الأمم السابقة في القرآن.
وهذا قول باطل وهو ضلال مبين والعياذ بالله.
فإن قال: بأنه لا يعني ما حدث به النبي عليه الصلاة والسلام عن الأمم السابقة.
يقال له : ما هي الاسرائليات التي تقول بأنها في الصحيحين ؟ وكيف عرفت إنها اسرائليات؟
ومما لاشك فيه أن صحيح البخاري وصحيح مسلم هما أصح كتب الحديث المصنفة على الإطلاق ، ونقل غير واحد من الأئمة الإجماع على صحة كل ما فيهما ، وتلقي العلماء لهما بالقبول.
ولم يقل إمام من الأئمة أن الصحيحين فيهما أحاديث اسرائيلية.
وإنما هذه فرية جاء بها عدنان إبراهيم لأمرين:
الأمر الأول: ليطعن في الأئمة النقاد أهل الحديث والآثر بأنه لم يميزوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام من حديث غيره ، وهذا باطل مردود عليه، ومن نظر في كتب العلل عرف قدر أهل الحديث ، وأنهم هم أعلم الناس بحديث النبي عليه الصلاة والسلام.
والأمر الثاني: ليطعن في الصحيحين ،
لكي يقال : بأن الصحيحين أُدخل فيها ما ليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، ليشكك الناس في دينهم ويلبس عليهم ، وهذا هو مراد الفلاسفة التشكيك في الدين والتلبيس على المسلمين.
ثالثاً: أقسام الاسرائيليات:
تنقسم الاسرائليات إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما أقره الإسلام وشهد بصدقه فهذا حق صحيح.
مثاله ما رواه البخاري(٤٨١١) ومسلم(٢٧٨٦)عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك ، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله عليه الصلاة والسلام(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيـٰمة والسمـٰوٰت مطويـٰت بيمينه سبحـٰنه وتعـٰلى عما يشركون)
الثاني: ما أنكره الإسلام وشهد بكذبه فهو باطل ويجب علينا أن نكذبه.
مثاله: ما رواه البخاري(٤٥٢٨) ومسلم(١٤٣٥)
عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها -جاء الولد أحول ، فنزلت(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)
يعني كانوا يقولون: إذا جامع الرجل امرأته في قبلها من الخلف ولد الولد أحول.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإقتضاء(٤٨١):
وفي هذه الإسرائليات ما هو كذب على الأنبياء أو ما هو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله.اهـ
الثالث: ما لم يقره الإسلام ولم ينكره ، فيجب التوقف فيه.
مثاله: ما رواه البخاري(٤٤٨٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا(ءامنا بالله وما أنزل)الآيه.
وقال شيخ الإسلام في الإستقامة(١/٢٠١)
الإسرائليات التي لم يُعرف أنها حق أو باطل لم يُصدق بها ولم يكذب ومثل هذه لا يعتمد عليها في الدين بحال.اهـ
وقال الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره(١١): تجوز حكاية – الاسرائليات المسكوت عنها -وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.اهـ
قال العلامة ابن عثيمين في شرح أصول التفسير(٢٠٨):
التحديث بهذا النوع من الاسرائليات مما لم يقره الإسلام ولم ينكره جائز إذا لم يخش محذور لقول النبي عليه الصلاة والسلام( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)رواه البخاري ، وغالب ما يروى عنهم من ذلك ليس بذي فائدة في الدين كتعيين لون كلب أصحاب الكهف ونحوه ، وأما سؤال أهل الكتاب عن شيء من أمور الدين فإنه حرام .اهـ
وهذا النوع الثالث – أعني ما لم يقره الإسلام ولم ينكره – إذا حدث فيه الأئمة فإنهم يبينون أنه من الاسرائيليات ، أو ينص إمام من الأئمة النقاد أنه من الاسرائليات وهذه الاسرائيليات تذكر في التفاسير والزهد والمواعظ والترغيب والترهيب ، ومضان ما حدث به الأئمة عن بني إسرائيل ، كتب ابن أبي الدنيا وكتاب الزهد لأحمد وكتاب الزهد لأبي داود
وغيرها من المصنفات التي جمعت بين المرفوع والموقوف والمقطوع والصحيح والحسن والضعيف والموضوع وما لا أصل له والاسرائليات.
كتبه:
بدر بن محمد البدر
١٤٣٦/٥/٢٥