فضل الصحابة الكرام

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٧٠): فضل الصحابة الكرام.

عباد الله: اعلموا رحمكم الله، أن أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، هم خير أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير الناس قرني ثم الذين يَلونهم ثم الذين يلونهم)رواه البخاري(٢٦٥٣)ومسلم(٢٥٣٣)

فهم خير القرون ، وهم خير الناس بعد الأنبياء والرسل ، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على فضلهم ومكانتهم وخيريتهم:

قال تعالى: (والسـٰبقون الأولون من المهـٰجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسـٰن رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنـٰت تجرى تحتها الأنهـٰر خـٰلدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(٤/١٤٠): يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم.اهـ

وفي الحديث عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول عليه الصلاة والسلام: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يُوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون)رواه مسلم(٢٥٣١)

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد عليه الصلاة والسلام خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه)رواه أحمد(١/٣٧٩)قال الهيثمي في المجمع(١/١٨٢): رجاله موثقون.

-عباد الله: إن للصحابة رضي الله عنهم حقوق كثيرة يجب على كل مسلم ومسلمة مراعاتُها ، منها:
١-محبتهم والترضي عنهم والدعاء لهم.
قال تعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوٰننا الذين سبقونا بالإيمـٰن ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم)

٢-اعتقاد خيريتهم وفضلهم.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)رواه البخاري(٣٦٥٠)وفي رواية عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير الناس قرني ثم الذين يَلونهم ثم الذين يلونهم)رواه البخاري(٢٦٥٣)ومسلم(٢٥٣٣)

قال وكيع سمعت سفيان يقول في قوله تعالى”قل الحمد لله وسلـٰم على عباده الذين اصطفى”قال: (هم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام)رواه الطبري(٢٠/٣)

٣-اعتقاد عدالتِهم ، فهم كلهم عدول ، بإجماع أهل العلم.
قال ابن حبان في صحيحه(١٢٦٥):أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كلهم ثقات عدول.اهـ

٤-الكف عما شجر بينهم.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى(٣/١٥٢): ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام…ويمسكون عما شجر بين الصحابة.اهـ

-عباد الله: إن سب الصحابة والطعن فيهم من كبائر الذنوب ، وهو طعن في تزكية الله لهم ، وإيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه)رواه البخاري(٣٦٧٣)ومسلم(٢٥٤١)

وعن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني في الكبير(١٢٧٠٩)وحسنه السيوطي في الجامع الصغير(٨٧١٥)وحسنه الألباني في صحيح الجامع(٦٢٨٥)

قال العلامة الصنعاني في التنوير(١٠/٢٥٢): قوله(من سب أصحابي)ظاهر في كل من صحبه(فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)أي يلحقه كل لعن صادر عن هؤلاء لأنه سب من أمر بالدعاء لهم وسؤال المغفرة ، وأثنى الله عليهم في عدة آيات في كتابه فسابهم مضاد لأمر الله.اهـ

قال ابن عمر رضي الله عنه: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدِهم ساعة خير من عمل أحدِِكم عمره)رواه ابن ماجه(١٦٢)قال البصيري في الزوائد(١/١٠٦)إسناده صحيح ، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجه(١/٣٢)

قال الحافظ أبو زرعة الرازي: (إذا رأيت الرجلَ ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وإنما يريدون أن يُجرحوا شواهدنا ، ليُبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة)رواه الخطيب في الكفاية(٩٧)

وسُئل الإمام أحمد عن رجل شتم رجلاً من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال: (ما أراه على الإسلام)رواه الخلال في السنة(٧٨٢)واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد(٣٣٨٦)

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

٥ محرم ١٤٤٠هـ

أصول الخوارج، أصول الإخوان

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٨): أصول الخوارج أصول الإخوان.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :

أيها الأخوة الأفاضل: إن كل فرقة من الفرق لها أصول تعتقدها وتدين الله بها وتدعو إليها وتوالي لأصولها وتعادي عليها.
ومن هذه الفرق فرقة الخوارج ، وهم شر الفرق على الإطلاق.
وقد استفاضت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحذيره من الخوارج ، وبيان زيغهم وضلالهم ، بل وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه لو أدركهم ليقتلهم قتل عاد.
وهذه الفرقة الضالة المنحرفة بَنَت معتقدها الضال على عدة أصول فاسدة ، أشهرها أربعة أصول وهي:

– الأصل الأول: تكفير المسلمين.
فإن من أصول الخوارج تكفيرهم لمرتكب الكبيرة
من المسلمين وأنه خالد مخلد في النار ، وتوسع بعض الخوارج وكفر مرتكب الكبيرة والصغيرة.
قال الحافظ محمد الكرجي كما في نكت القرآن الدالة على البيان(١/٢٧٣): الشراة – يعني الخوارج – في باب الذنوب فإنهم يعدون صغيرها وكبيرها كفراً والذنب كفراً.اهـ

وتكفير المسلمين بمجرد من كبائر الذنوب التي دون الكفر ، أمر محرم ، وكبيرة من الكبائر ،
قال الحافظ الذهبي في الكبائر(١٧١):
الكبيرة التاسعة والأربعون: التكفير بالكبائر.اهـ

والخوارج خالفوا بتكفيرهم المسلمين بالكبائر والصغائر وتخليدهم في نار جهنم ، الكتاب والسنة والإجماع

– الكتاب:
قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) أي أنه سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب صغيرها وكبيرها سوى الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفر.

– السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
رواه مالك (١٨٤٤) بسند صحيح.

قال الحافظ السيوطي في التنوير(٢/٢٥١): قال الباجي: قوله( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) أي إن كان المقول له كافراً فهو كافر وإن لم يكن خيف على القائل أن يصير كذلك ، وقال ابن عبدالبر: أي احتمل الذنب في ذلك القول أحدهما ، وقال أشهب: سئل مالك عن هذا الحديث قال أرى ذلك في الحرورية الخوارج.اهـ

واستفاضت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى يغفر كل ذنب دون الشرك ، منها:
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ) رواه مسلم (٩٣)

وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : ( قال الله تعالى : يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )
رواه الترمذي(٣٥٤٠) وحسنه ، وقال ابن رجب في الجامع(٣٨١): اسناده لا بأس به.
وله شاهد عن أبي ذر رضي الله عنه رواه أحمد(٥/١٦٧)

– الإجماع:
قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في إعتقاد أئمة الحديث(٣٢٤): ويقولون – يعني أهل الحديث أهل السنة والجماعة -: إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى القبلة لو ارتكب ذنباً أو ذنوباً كثيرة صغائر أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله
والإقرار بما إلتزمه وقبله عن الله فإنه لا يكفر به
ويرجون له المغفرة قال تعالى ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )

ونقل الإجماع أيضاً الحافظ ابن أبي حاتم الرازي في عقيدة الرازيين(١٤٢) قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك ، قالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً ومصراً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل.اهـ

– الأصل الثاني: استباحة دماء المسلمين.
فإن من أصول الخوارج استباحتهم دماء المسلمين المعصومة ، فلا يرون لدم المسلم حرمة.
وخالفوا باستباحتهم دماء المسلمين ، الكتاب والسنة والإجماع.

– الكتاب:
قال تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً )

– السنة:
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام
( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل )
رواه مسلم (٢٣)

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) رواه البخاري(١٠٥) ومسلم(١٦٧٩)

– الإجماع:
لا خلاف بين أهل العلم على حرمة قتل المسلم بغير حق ، وأن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الدماء.
وعد الحافظ الذهبي قتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب.
قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر(٤٦) الكبيرة الثانية: قتل النفس من كبائر الذنوب.

– الأصل الثالث: الخروج على ولاة المسلمين.
فإن من أصول الخوارج خروجهم على ولاة الأمر فلا يرون لحاكم طاعة ، كحال أهل الجاهلية ، يخرجون عليهم ، منهم من يخرج عليه بالسيف ويقاتله ، ومنهم من يخرج عليه بالقول فتجده يكذب على الحاكم ويقلل من شأنه ويحرض على الخروج عليه ، ومنهم من يخرج على الحاكم بالسيف والقول معاً.
وخالفوا الخوارج بعدم طاعتهم الحاكم ، الكتاب والسنة والإجماع.

– الكتاب:
قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )

قال الإمام الطبري في تفسيره(٦/٤٢٨):( وأولي الأمر منكم) هم الأمراء على قول الجمهور كأبي هريرة وابن عباس وغيرهم.اهـ

-السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية ) رواه البخاري(٧٠٥٤) ومسلم(١٨٤٩)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني )
رواه البخاري(٧١٣٧) ومسلم (١٨٣٥)

– الإجماع:
قال الحافظ ابن أبي حاتم الرازي في عقيدة الرازيين (١٤٥) قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك ، قالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً ومصراً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة.اهـ

ونقل الإجماع أيضاً الحافظ النووي في شرح مسلم (١٢/٢٢٩)
وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة(٥/٥٢٩)
وعد الحافظ الذهبي الخروج على الحاكم من الكبائر.
قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر (١٧١) الكبيرة التاسعة والأربعون: الخروج بالسيف والتكفير بالذنوب.

– الأصل الرابع: الطعن في علماء المسلمين.
فإن من أصول الخوارج طعنهم في علماء المسلمين والسخرية منه وتسميتهم بعلماء السلاطين أو علماء حيض ونفاس أو علماء الأموال أو لا يفقهون الواقع وغير ذلك من الألقاب والتهم الكاذبة.
وخالفوا بذلك الكتاب والسنة والإجماع.

– الكتاب:
أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالرجوع إلى العلماء وسؤالهم في غير آية.

قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ )

وقال تعالى : (فاسألوا أهل الذِّكر إنْ كنتم لا تَعلمون )
وهذا فيه بيان عظم منزلة العلماء عند الله سبحانه وتعالى.

– السنة:
استفاضت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في بيان فضل العلماء وعظم قدرهم ورفعة منزلتهم وأن ذهاب العلم بموت العلماء.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) رواه البخاري(١٠٠) ومسلم(٢٦٧٣)

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : ( إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ) رواه أبو داود (٣٦٤١) والترمذي(٢٦٨٢) وصححه الألباني.

-الإجماع:
أجمع أهل السنة والجماعة على حب العلماء وتوقيرهم وأنهم أهل العلم والفضل.

قال الإمام أبو عثمان النيسابوري في عقيدة السلف(٣٠٧): وإحدى علامات أهل السنة : حبهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارها وأوليائها.اهـ

-أيها الأخوة: هذه أشهر أصول الخوارج ، وهي بعينها أصول جماعة الإخوان المسلمين ، التي جاء بها حسن البنا وسيد قطب وغيرهما ، فينبغي لكل مسلم أن يحذرهم ويحذر منهجهم الضال المخالف للكتاب والسنة والإجماع.

كتبه/
بدر بن محمد البدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية.

٢٥ شوال ١٤٣٩هـ

فضل ذكر الله عز وجل

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٧): فضل ذكر الله عزوجل.

-عباد الله: إن من أفضل الأحوال التي ينبغي أن يكون عليها العبد المسلم ، حال ذكره ربه عزوجل ، فإذا ذكر العبدُ ربَه عزوجل ، ذكره اللهُ ، قال تعالى: (فاذكرونى أذكركم).

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي،
وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منهم)رواه البخاري(٧٤٠٥)ومسلم(٢٦٧٥)

-وأوصى النبيُّ عليه الصلاة والسلام بذكر الله ، وأخبر أنه أحب الأعمال إلى الله.
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به ، قال: (لا يزال لسانُك رطباً من ذكر الله)رواه الترمذي(٣٣٧٥)وحسنه ، وابن ماجه(٣٧٩٣) وصححه ابن حبان(٨١١)

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أن تموت ولسانُك رطب من ذكر الله)رواه ابن حبان في صحيحه(٨١٥)

-عباد الله: لقد أثنى الله عزوجل على الذين يذكرون الله على كل حال هم عليها ، يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، وبيّن عزوجل أنهم أصحاب العقول ، قال تعالى: (إن في خلق السمـٰوات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيـٰت لأولىِ الألبـٰب الذين يذكرون الله قيـٰماً وقعوداً وعلى جنوبهم) أي أنهم يذكرون الله على كل حال قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم.

وقال تعالى لعباده المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً)

وعن عائشة رضي الله عنه قالت: (كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يذكر الله تعالى على كل أحيانه)رواه مسلم(٣٧٣)

قال الحافظ النووي في شرح مسلم(١/٣٣١): المقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله تعالى متطهراً ومحدثاً وحنباً وقائماً وقاعداً ومضطجعاً وماشياً.اهـ

فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من ذكر الله تعالى ، يذكر الله على كل حال هو عليها ، وهكذا ينبغي للعبد المسلم أن يذكر الله في كل وقت وكل مكان ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون) رواه أحمد(١١٦٥٣) وصححه ابن حبان(٨١٧)والحاكم(١/٤٩٩)وقال الهيثمي في المجمع(١٠/٧٥): رواه أحمد وفيه دراج وقد ضعفه جماعة ووثقه غير واحد وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات.اهـ

إلا أنه يستثني بعض الأماكن ، كأماكن قضاء الحاجة ونحوها فإنه لا يذكر الله فيها تكريماً لذكر الله عزوجل عن هذه المواضع.
قال أبو ميسرة رحمه الله: (لا يُذكر الله تعالى إلا في مكان طيب)رواه ابن أبي شيبة(١/١٣٩)وابن سعد(٦/١٠٧)

-عباد الله: اعلموا رحمكم الله أن الإكثار من الذكر له فضائل كثيرة دلت عليها الأدلة من الكتاب والسنة فمن فضائله:

١-أن الله عزوجل يذكر عبده إذا ذكره ، قال تعالى: (فاذكرونى أذكركم).

٢-أنه سبب من أسباب المغفرة ، وحصول الأجور العظيمة ، قال تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً)

٣- أنه سبب من أسباب الفلاح للعبد ، قال تعالى: (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)
قال العلامة السعدي في تفسيره(١٠١٧): الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.اهـ

٤-أنه دأب الأنبياء والصالحين ، قال تعالى لنبيه زكريا عليه السلام: (واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار)
وقال تعالى عن موسى عليه السلام: (كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً)

٥-أن أهل الذكر هم هم أهل السبق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (سبق المفردون) قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)رواه مسلم(٢٦٧٦)

-قال الحافظ النووي في الأذكار(٣٩): قال مجاهد رحمه الله: (لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً) ، وقال عطاء رحمه الله: (مَن صلى الصلوات الخمس بحُقُوقها فهو داخل في قول الله تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) ، وسُئل الإمام ابن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيراً؟ فقال: (إذا واظب على الأذكار المأثورة المُثبتة صباحاً ومساءاً وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً كان من الذاكرين الله تعالى كثيراً).اهـ

-أيها الأخوة: إياكم والغفلة عن ذكر الله ، فإن الغفلة عن الذكر من استحواذ الشيطان على قلب ابن آدم.
قال تعالى: (استحوذ عليهم الشيطـٰن فأنسـٰهم ذكر الله أولـٰئك حزب الشيطـٰن ألا إن حزب الشيطـٰن هم الخـٰسرون)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(١٨٤٣): أي استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عزوجل ، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه.اهـ

والإعراض عن الذكر ، صفة من صفات أهل النفاق ، قال تعالى: (إن المنـٰفقين يخـٰدعون الله وهو خـٰدعهمـ وإذا قاموا إلى الصلوٰة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً).

-والله أعلم.

-كتبه:
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر
٢٢ شوال ١٤٣٩هـ

كلمات في الدعوة إلى الله – ذم ذي الوجهين

كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٦): ذم ذي الوجهين.

-عباد الله: إن من الصفات المذمومة والمحرمة شرعاً ، صفة ذي الوجهين وهو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ، كما يفعل المنافقون ، قال تعالى عن المنافقين: (وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شيـٰطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) يعني: أن أهل النفاق إذا اجتمعوا بالمؤمنين قالوا لهم: نحن مؤمنون مثلكم ، وإذا اجتمعوا برؤسائهم وكبرائهم من أهل الكفر قالوا نحن معكم.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(١/٩٣): وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا أي أظهروا لهم الإيمان والموالاة ، وإذا خلوا إلى شياطينهم يعني مضوا إلى سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين ، قالوا إنا على مثل ما أنتم عليه إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم.اهـ

-وهذه الصفة المذمومة هي صفة شرار الناس عند الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (تجدون من شرار الناس ذا الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه)
رواه البخاري(٣٤٩٤) ومسلم(٢٥٢٦)

وفي رواية للترمذي(٢٠٢٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين) قال الترمذي: حسن صحيح ، وأصله في صحيح البخاري(٦٠٥٨)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح(١٠/٥٣٥): قوله(شر الناس) يحمل على عمومه فهو أبلغ في الذم ، وقد وقع في رواية الإسماعيلي:(شر خلق الله ذو الوجهين).اهـ

وقال الحافظ ابن حجر أيضاً(١٠/٥٣٥): قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق ، مدخل للفساد بين الناس.اهـ

وقال العلامة ابن عثيمين في شرح الرياض(٤/١٩٦): قوله(تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)هذا من كبائر الذنوب ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف فاعله بأنه شر الناس.اهـ

– عباد الله: إن ذا الوجهين له عدة حالات مع من يأتيهم من الناس:

الحالة الأول: أن يأتي قوم بينهم خصومة ، فيحرش هؤلاء على هؤلاء ، وهؤلاء على هؤلاء ، فيقول لطائفة: إن القوم الفلانيين يقولون فيكم كذا وكذا ، ثم يأتي الطائفة الأخرى ويقول لهم: إن القوم الفلانيين يقولون فيكم كذا وكذا ، يحرش بينهم كي تزداد الخصومة والعداوة بينهما، وهذا من كبائر الذنوب ، قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) ، وعن حذيفة رضي الله عنه سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يدخل الجنة قتات)رواه البخاري(٦٠٥٦)ومسلم(١٠٥)

الحالة الثانية: أن يأتي إلى شخص ويمدحه في وجهه ، وإذا ذهب من عنده ذمه وعابه في المجالس ، وهذه صفة أهل النفاق.
عن أبي الشعثاء قال: لقي عبد الله بن عمر رضي الله عنه ناساً خرجوا من عند مروان ، فقال: من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: خرجنا من عند الأمير مروان ، قال: وكل حق رأيتموه تكلمتم به وأعنتم عليه؟ وكل منكر رأيتموه أنكرتموه ورددتموه عليه؟ قالوا: لا والله ، بل يقول ما يُنكر ، فنقول: قد أصبت أصلحك الله ، فإذا خرجنا من عنده قلنا: قاتله الله ما أظلمه وأفجره ،
قال عبد الله: (كنا نعد ذلك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام نفاقاً لمن كان هكذا)رواه أحمد(٥٣٧٣)وأصله عند البخاري(٧١٧٨)بلفظ(قال أُناس لابن عمر: إنا ندخل على سُلطانِنا ، فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال: كنا نعُدُّها نفاقاً)

قال العلامة ابن باز في شرح البخاري(١٣/١٧٤٨): هذا من الأمور الخطيرة ، كون الإنسان يمدح السلطان أو الأمير أو القاضي أو نحوهم في وجوههم ، ثم إذا خرج نشر عيوبهم هذا من النفاق كما قال ابن عمر.اهـ

– عباد الله: إن الله عزوجل توعد ذا الوجهين بالعقاب في الآخرة جزاء عمله السيء.
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه مرفوعاً: (مَن كان له وجهان في الدنيا ، كان له لسانان من نار يوم القيامة) رواه أبو داود(٤٨٧٣)وصححه ابن حبان(٥٧٢٦)والألباني في الصحيحة(٨٩٢)

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن ذا اللسانين له لسانان من نار يوم القيامة)رواه ابن أبي شيبة في المصنف(٢٥٩٧٦)بسند صحيح.

– عباد الله: ينبغي الحذر من هذه الصفة المذمومة ، والحذر من أهل هذه الصفة ، وينبغي للناس ألا يُطلعوا أهل هذه الصفة الذميمة على أسرارهم ، لأنهم ليسوا محل ثقة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً)رواه أحمد(٧٨٧٧)والبخاري في الأدب المفرد(٣١٣)وصححه الألباني في الصحيحة(٣١٩٧)
فعلى المسلم أن يحفظ لسانه من آفات اللسان ، فإن أكثر الذنوب في اللسان ، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)رواه الطبراني(٣/٧٨)وابن أبي الدنيا في الصمت(٤١)
قال المنذري في الترغيب(٨/٤): رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.

قال الحافظ ابن حبان في روضة العقلاء(١٠٤): العاقل لا يكون ذا لونين بل يُوافق سره علانيته وقوله فعله.

-كتبه:
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

٨ شوال ١٤٣٩هـ

أخطاء دعاء القنوت

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٥): أخطاء دعاء القنوت.

أيها الأخوة: هذه بعض الأخطاء التي يقع بها بعض الأئمة والمأمومين في دعاء القنوت ، أذكره على اختصار كي تجتنب وتترك.

الخطأ الأول: إطالت دعاء القنوت إطالة تشق على المصلين.
قال الإمام ابن قيم في بدائع الفوائد(٤/ ١٥٠٢):
اﺧتلف ﻗﻮل الإمام أحمد ﻓﻲ ﻗﺪﺭ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻮﺕ؟ ﻓﻌﻨﻪ: ﺑﻘﺪﺭ(ﺇﺫا اﻟﺴﻤﺎء اﻧﺸﻘت)ﺃﻭ ﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻯ ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﺳُﺌﻞ ﻋﻦ ﻗﻮﻝ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ: اﻟﻘﻨﻮﺕ ﻗﺪﺭ: (ﺇﺫا اﻟﺴﻤﺎء اﻧﺸﻘﺖ)
ﻗﺎﻝ: ﻫﺬا ﻗﻠﻴﻞ ، ﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ.
ﻭﻋﻨﻪ: ﻛﻘﻨﻮﺕ ﻋﻤﺮ.
ﻭﻋﻨﻪ: ﻛﻴﻒ ﺷﺎء.اهـ

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة(٢١٢٦٣): على الداعي ألا يطيل على المأمومين إطالة تشق بل عليه أن يخفف وأن يحرص على جوامع الكلم ، ويترك ما عدا ذلك كما دلت عليه السنة.اهـ

قلت للعلامة اللحيدان هل يشرع إطالة دعاء القنوت؟ قال: لاشك أن الإعتدال في الدعاء مطلوب.

الخطأ الثاني: تلحين الدعاء وتجويده والسجع فيه.
وهذا ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام ولا هدي صحابته رضي الله عنهم.
قال ابن عباس رضي الله عنه لعكرمة: (انظر السجع من الدعاء فاجتنبه)رواه البخاري(٦٣٣٧)

وقالت عائشة رضي الله عنها: واجتنب السجع في الدعاء فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون ذلك. رواه أحمد(٢٥٨٢٠)وصححه ابن حبان(٩٧٨)

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة(٢١٢٦٣): المشروع للداعي اجتناب السجع وعدم التكلف فيه ، وعلى الداعي أن لا يشبه الدعاء بالقرآن فليتزم قواعد التجويد فإن ذلك لا يعرف من هدي النبي عليه الصلاة والسلام ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم.اهـ

قال لي العلامة اللحيدان: تلحين الدعاء هذا من التنطع ، فينبغي تركه

الخطأ الثالث: الاعتداء في الدعاء ، .
قال تعالى: (إنه لا يحب المعتدين)
قال الإمام ابن جرير في تفسيره(٨/٢٠٧): إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور.اهـ
وقال العلامة الطرطوشي في الدعاء(١٥٤): (إنه لا يحب المعتدين) يعني المجاوزين في الدعاء ما أُمروا به.اهـ

عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ، فإني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)رواه أحمد(٤/٨٦)وأبو داود(٩٦)وصححه الألباني في سنن أبي داود(٩٦)وقال الأرنؤوط في زاد المعاد(١/١٨٤): سنده قوي.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى(١٤/٤٤٩): الاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لايجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات ، وتارة يسأل الله تخليده إلى يوم القيامة أو يطلعه على الغيب أو يجعله من المعصومين أو يهب له ولداً من غير زوجة ونحو ذلك.اهـ

الخطأ الرابع: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.
وهذا روي فيه عن النبي عليه الصلاة والسلام عدة أحاديث ولا يصح منها شيء ، ضعفها كثير من العلماء منهم البيهقي في السنن الكبرى(٢/٢١٢) وشيخ الإسلام في الفتاوى(٢٢/٥١٤)

قال الحافظ ابن المنذر في الأوسط(٥/٢١٧): كان الإمام أحمد بن حنبل يقول: لم أسمع فيه بشيء ، وحكي عنه أنه قال: أما في الصلاة فلا.اهـ
وقال الحافظ البيهقي في السنن الكبرى(٢/٢١٢): مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت…وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ولا قياس فالأولى أن يفعله بدون مسح.اهـ

وقال لي العلامة اللحيدان: لا يمسح الوجه بعد الدعاء ، ولم يصح في مسح الوجه حديث.

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية.

٥ رمضان ١٤٣٩هـ

آداب قرآءة القرآن

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٤): آداب قراءة القرآن.

-أيها الأخوة: إن قراءة القرآن أحب القُربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عزوجل ، كما جاء في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحب إليه من شيء خرج منه-يعني القرآن)رواه الحاكم في المستدرك(١٤٢٧)وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقراءة القرآن لها آداب ينبغي لقارئ القرآن أن يتحلى بها وهي:

١-إخلاص النية لله تعالى فيها، لأن تلاوة القرآن عبادة ، والعبادة لابد لها من نية خالصة ، قال الله تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين) وقال: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرؤا القرآن وابتغوا به الله عز وجل)رواه أحمد(١٤٥٦٠)وأبو داود(٨٣٠)وحسنه الألباني في صحيح الجامع(١١٧٦)

٢-يستحب قراءة القرآن على طهارة من الحدث.
عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهر أو قال: على طهارة)
رواه أبو داود(١٧) وابن خزيمة في صحيحه(٢٠٦) وابن حبان في صحيحه(٨٠٠)
وصححه الألباني في صحيح الجامع(٢٤٧٢)
والقرآن ذِكر فيستحب قراءته على طهارة.
قال الحافظ النووي في التبيان(٧٢): يستحب أن يقرأ وهو على طهارة ، فإن قرأ محدثاً جاز بإجماع المسلمين.اهـ

٣-يستحب أن يستاك بسواك رطب قبل القراءة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك)رواه ابن ماجه(٢٩١) وصححه الألباني في سنن ابن ماجه(٢٩١)
‏قال الحافظ النووي في التبيان(٧٢): وينبغي لمن أراد القراءة أن ينظف فاه السواك وغيره.اهـ

‏‪‎‬٤-يستحب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة.
‏ قال تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)

٥-ويستحب الاتيان بالبسملة بعد الاستعاذة في أول كل سورة سوى سورة التوبة فلا يبدأ بها بالبسملة.
 
٦- ويستحب لقارئ القرآن القراءة بحضور قلب ، وخشوع وتدبر للآيات.
قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن) وقال عزوجل: (كتاب أنزلناه عليك مبارك ليدبروا آياته)

‏‪‎‬٧- ويستحب لقارئ القرآن أن يقرأ بترتيل وأن يحسن صوته بالقراءة.
قال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زيِّنوا القرآن بأصواتكم ) رواه أبو داود(١٢٥٩) والنسائي(١٠٠٤) وصححه ابن خزيمة(١٤٧٤)وابن حبان في صحيحه(٧٥٧)

قال الحافظ النووي في التبيان(٨٨): اتفق العلماء على استحباب ترتيل القرآن.اهـ
‏‪‎‎‬ 
 ٨- ويستحب له إذا مر بآية سجدة كبر ويسجد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلتى ، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأُمرت بالسجود فعصيته فلي النار ) رواه مسلم(٨١)

٩- ويستحب له إذا مر بآية رحمة وقف وسأل الله من فضله ، وإذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة)وفيه(إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ)رواه مسلم(٧٧٢)
ورواه أبو داود(٨٧٣) عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (قمت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ليلة فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا قف وسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ)

قال الحافظ النووي في التبيان(٩١): ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب…ويستحب هذا السؤال والاستعاذة لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجاً منها.اهـ

١٠-يستحب أن يقول بعد الإنتهاء من القراءة: (سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما جلس رسول الله عليه الصلاة والسلام مجلساً قط ، ولا تلا قرآناً ، ولا صلى صلاة ، إلا ختم ذلك بكلمات ، فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلساً ولا تتلو قرآناً ولا تصلي صلاة إلا ختمت بهذه الكلمات؟ قال: (نعم ، من قال خيراً ختم له طابع على ذلك ، ومن قال شراً كن له كفارة: سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك)رواه النسائي في الكبرى(١٠٠٦٧)وبوب له:باب ما تُختم به تلاوة القرآن.
والحديث صححه ابن حجر في النكت(٢/٧٣٣)والألباني في الصحيحة(٧/٤٩٥)والوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(٢/١٢٨)

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية.

٣ رمضان ١٤٣٩هـ

كلمات في الدعوة إلى الله – أوقات النهي عن الصلاة ما يستثنى منها

-كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦٣): أوقات النهي عن الصلاة وما يستثنى منها.

-عباد الله: كما أن للصلاة أوقاتاً تُصلى فيها ، كما قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقتاً) يعني لها وقت تُصلى فيه ، كذلك لها أوقات لا يصلى فيها ، وهي ثلاثة أوقات:
الأول: بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قيد رمح. يعني بعد شروقها بخمسة عشر دقيقة تقريباً.

الثاني: إذا قام قائم الظهيرة حتى تزول الشمس .يعني قبيل زوال الشمس بعدة دقائق والأحوط خمسة عشر دقيقة.

الثالث: بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس.يعني حتى يغيب قرص الشمس تماماً.

– دليل ذلك:

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ( ثلاث ساعات كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس ، وحين تتضيف الشمس للغروب) رواه مسلم(٨٣١)
ومعنى قوله: (وحين يقوم قائم الظهيرة) يعني حين يقف الظل وقت الظهيرة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله أمن ساعات الليل والنهار ساعة تأمرني أن لا أصلي فيها؟
فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (نعم ، إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان ثم الصلاة مشهودة محضورة متقبلة حتى ينتصف النهار
فإذا انتصف النهار فأقصر عن الصلاة حتى تميل الشمس فإنه حينئذ تُسعر جهنم وشدة الحر من فيح جهنم
فإذا مالت الشمس فالصلاة محضورة مشهودة متقبلة حتى يصلى العصر فإذا صليت العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس)
رواه ابن خزيمة في صحيحه(١٢٧٥) وابن حبان في صحيحه(١٥٤٨)
ورواه مسلم(٨٣٢) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه مرفوعاً: (صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تُسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة ، حتى تُصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار).

قال الحافظ النووي في شرح مسلم(٥٤٧): في
أحاديث الباب نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد طلوعها حتى ترتفع ، وعند استوائها حتى تزول ، وعند اصفرارها حتى تغرب ، وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات.اهـ

وقال العلامة ابن باز في شرح البخاري(٢/١٦٥): هذان الوقتان-الصلاة حين تشرق الشمس وحين غروبها-أشد تحريماً من الأوقات الأخرى.اهـ

هذا الوقتان أشد تحريماً ، لأنها تشرق بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار ، وتغرب بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار.

-عباد الله: إن مما يستثنى من النهي من الصلاة في هذه الأوقات المنهي عنها ، عدة صلوات ، وهي:
– أولاً: قضاء الفرائض.
فمن نام عن الصلاة أو نسيها ، فإنه يصليها إذا ذكرها ، حتى وإن كان في وقت نهي.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة له إلا ذلك ((وأقم الصلاة لذكرى))
رواه البخاري(٥٩٧) ومسلم(٦٨٠) وفي لفظ له(٦٨٤)(من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها).

قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه(٢٩٥): أخبار النبي عليه الصلاة والسلام (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) دالة وإجماع المسلمين جميعاً على أن الناسي إذا نسي صلاة مكتوبة فذكرها بعد الصبح أو بعد العصر أن عليه أن يصليها قبل طلوع الشمس إن ذكرها بعد الصبح وقبل غروب الشمس إن ذكرها بعد العصر ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى من التطوع بعد الصبح قبل طلوع الشمس وبعد العصر قبل غروب الشمس.اهـ

– ثانياً: صلاة ركعتي الطواف.
– ودليل ذلك:
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)
رواه أحمد(٤/٨٠) وأبو داود(١٨٩٤)
وصححه الترمذي(٨٦٨) وابن خزيمة(٢٧٤٧) وابن حبان(١٥٥٣)
والألباني في صحيح الجامع(٧٩٠٠) والوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين(٢٥٨)

وله شاهد عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه رواه ابن خزيمة في صحيحه(٢٧٤٩)

– ثالثاً: صلوات ذوات الأسباب ، كتحية مسجد أوقضاء سنة راتبة أوصلاة كسوف ، في أصح قولي العلماء ، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين.
– ودليل ذلك:
عن قيس بن عمرو رضي الله عنه قال: رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(صلاة الصبح ركعتين)
فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن ، فسكت رسول الله عليه الصلاة والسلام)
رواه أبو داود(١٢٦٧) وصححه الألباني في سنن أبي داود(١٢٦٧)

– رابعاً: الصلاة قبيل زوال الشمس يوم الجمعة ، في أصح قولي العلماء وبه قال الشافعي وأصحابه وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة ورواية عن الأوزاعي وأهل الشام واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
– دليل ذلك:

عن سلمان رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة) وفيه:(ثم يصلي ما كُتب له)
رواه البخاري(٨٨٣)
قوله:(ثم يصلي ما كتب له) هذا عام سواء كان وقت نهي أو غيره.

وعن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ، وقال: (إن جهنم تُسجر إلا يوم الجمعة)
رواه أبو داود(١٠٨٣) وقال: مرسل.
وله شاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه رواه الشافعي في المسند(٢٦٩) وضعفه ابن حجر في التلخيص(٦٣)
وشاهد آخر عن واثلة رضي الله عنه ، رواه الطبراني بسند ضعيف ، كما في نيل الأوطار(١/٥٤٩)

روى الشافعي في المسند(٢٧٠) قال: أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب).
سنده صحيح ، ثعلبة بن أبي مالك ، مختلف في صحبته ، قال ابن حجر في التقريب(٨٤٥): مختلف في صحبته ، وقال العجلي: تابعي ثقة.اهـ
وقال الذهبي في الكاشف(١١٠): له رؤية وسمع عمر.اهـ

قال الإمام الرافعي في شرح المسند(١/٤٩٩):
الحديث يدل على أنه لا تكره الصلاة في وقت الاستواء يوم الجمعة بخلاف سائر الأيام ، ويقوي هذه الروايات ما ورد في الأحاديث الصحيحة في ترغيب النبي عليه الصلاة والسلام في التبكير إلى الجمعة وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير تقييد ولا استثناء ، ويدل عليه ما رواه الشافعي عن فعل الصحابة والتابعين في عهد عمر رضي الله عنه كانوا يصلون إلى أن يجلس الإمام على المنبر فإذا جلس تركوا الصلاة.اهـ

وقال العلامة الصنعاني في سبل السلام(١/١٧٥):
حديث أبي قتادة ضعيف ، إلا أنه أيده فعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فإنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة ولأنه عليه الصلاة والسلام حث على التبكير إليها ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء.اهـ

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر
١٨ شعبان ١٤٣٩هـ

كلمات في الدعوة إلى الله – خصائص شهر شعبان

كلمات في الدعوة إلى الله.

-الكلمة رقم(٦١): خصائص شهر شعبان.

أيها الأخوة: لقد أهلى علينا هلال شهر شعبان ، وشعبان هو الشهر الذي بين رجب ورمضان ،
وسمي بهذا الاسم لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لجلب المياه ، وشهر شعبان اختص بخصائص كثيرة دون غيره من شهور السنة.

-فمن خصائصه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخصه بكثرة الصيام ، فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم في شعبان ما لا يصوم في غيره من بقية الشهور.

قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)
رواه البخاري(١٩٦٩) ومسلم(١١٥٦)
وفي رواية للبخاري(١٩٧٠) (لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يصوم شهراً أكثر من شعبان وكان يصوم شعبان كله)
وفي لفظ لمسلم(١١٥٦) (كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً)

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)
رواه أبو داود(٢٤٣٤) والترمذي(٧٣٦)وحسنه والنسائي(٢١٧٤) وأصله في صحيح البخاري(١٩٦٩)

ومعنى قولها (كان يصوم شعبان كله) يعني يصوم أكثره ، ويحتمل كله.
قال الحافظ الترمذي في جامعه(٧٣٧): قال ابن المبارك: هذا جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كُلَّه.اهـ

وقال العلامة ابن باز في التعليق على البخاري(٤/٤٨٤): كان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم شعبان في بعض الأحيان يصومه كله وبعضها يصومه إلا قليلاً.اهـ

واختلف أهل العلم في الحكمة من إكثار النبي عليه الصلاة والسلام من الصيام في شهر شعبان قيل: ليحصل التأهب والاستعداد لاستقبال شهر رمضان وتتروض النفس على طاعة الله ، وقيل: إن الأعمال ترفع فيه إلى الله عزوجل في شعبان ، كما جاء ذلك في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: لم يكن يصوم النبي عليه الصلاة والسلام من الشهور ما يصوم من شعبان ، قلت: لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)
رواه أحمد(٢١٢٤٦) والنسائي(٢٣٥٧)
صححه ابن حجر في الفتح(٤/٢٥٠)
وحسنه الألباني في الصحيحة(١٨٩٨)

-ومن خصائص شعبان: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب صيامه.
قالت عائشة رضي الله عنها: (كان أحب الشهور إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يصوم شعبان ، وكان يصله برمضان)
رواه النسائي(٢٣٥٠) وصححه الألباني في صحيح الترغيب(١٠٢٤)

-أيها الأخوة: لقد دلت هذه الأحاديث على فضل الصوم في شعبان ، وذهب طوائف من أهل العلم إلى استحباب الإكثار من صيامه ، كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.

وأما حديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
رواه أحمد(٩٤١٤) وأبو داود(٢٣٣٧) وغيرهما.
وهو حديث مختلف في صحته ، ضعفه كبار الأئمة كعبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبي زرعة ، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ، كما نص على ذلك ابن رجب في اللطائف(١٩٧)
وصححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع(٣٩٧)
وقال العلامة ابن باز في الفتاوى والتقريرات العلمية(٣٧٣): الحديث جيد واستنكار الإمام أحمد له لم يظهر لي وجهه ولا أعلم له علة.اهـ

وعلى تقدير صحة الحديث فالمراد منه: النهي عن تخصيص النصف من شعبان بصيام ، أما لو صام قبل النصف من شعبان واستمر في الصوم بعد النصف جاز له ذلك ، في أصح قولي العلماء وهو اختيار الإمامين الشافعي وابن باز.

-ومن خصائص شعبان: أن الأعمال ترفع فيه إلى الله عزوجل.
كما جاء في الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام ، عن شعبان: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)
رواه أحمد(٢١٢٤٦) والنسائي(٢٣٥٧)
صححه ابن حجر في الفتح(٤/٢٥٠)
وحسنه الألباني في الصحيحة(١٨٩٨)

دل هذا الحديث على شيئين اثنين:
الأول: أن شهر شعبان ، شهر يغفل عنه الناس لأنه بين شهرين لهما فضل بين شهر رجب وشهر رمضان.
الثاني: أن الأعمال ترفع إلى الله عزوجل في شهر شعبان.

-ومن خصائص شعبان: فيه ليلة يغفر الله عزوجل فيها لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن ، وهي ليلة النصف من شعبان.
عن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه مرفوعاً: (إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجه(١٤٠٩) بسند ضعيف ، وله شواهد كثيرة لا تخلو من ضعف وبعضها يعضد بعضاً.
قال العلامة الألباني في الصحيحة(١١٤٤): حديث صحيح ، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً.اهـ

-أيها الأخوة: ينبغي على من كان عليه قضاء أيام من رمضان الماضي ، أن يُعجل بقضاء هذه الأيام التي عليه قبل أن يدركه رمضان ، لأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فلا يجوز حينئذ تأخيره من غير عذر.
قالت عائشة رضي الله عنها: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) رواه البخاري(١٩٥٠) ومسلم(١١٤٦)

كتبه/
بدر محمد العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

٤ رجب ١٤٣٩هـ

كلمات في الدعوة إلى الله – تفسير قوله تعالى ( الذين هم في صلاتهم خاشعون )

– كلمات في الدعوة إلى الله.

– الكلمة رقم(٦٠): تفسير قوله تعالى (الذين هم في صلاتهم خـشعون).

-عباد الله: إن الله عزوجل وصف عباده المؤمنين بكتابه العزيز بصفات كثيرة ، من هذه الصفات التي وصفهم بها ، أنهم أهل خشوع في صلاتهم ، قال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خـٰشعون)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره(٥/٣٣٧): قوله(قد أفلح المؤمنون)أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح ، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف: (الذين هم في صلاتهم خـٰشعون).اهـ
فمن أسباب فلاحهم ، أنهم خشوعهم في صلاتهم. والخشوع: هو السكينة والخضوع والطمأنينة.
وهو نوعان:
الأول: خشوع القلب ، وهو حضوره في الصلاة.
الثاني: خشوع الجوارح ، وهو السكينة وعدم الحركة إذا قام في الصلاة.
-والخشوع في الصلاة أمر مهم لأن الصلاة ثقيلة إلا على أهل الخشوع ، قال تعالى: ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخـٰشعين )يعني ليست ثقيلة عليهم بل خفيفة.
قال العلامة السعدي في تفسيره(٤٢): الصلاة شاقة إلا على الخاشعين فإنها سهلة عليهم خفيفة لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحاً صدره لترقبه للثواب وخشية الله ، بخلاف من لم يكن كذلك فإنه لا داعي له يدعوه إليها وإذا فعلها صارت أثقل الأشياء عليه.اهـ

– عباد الله: اعلموا رحمكم الله ، أن الناس في الخشوع ينقسمون إلى عدة أقسام:

القسم الأول: من خشعت قلوبهم وخشعت جوارحهم في الصلاة. وهؤلاء هم أهل الفلاح ، (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خـٰشعون)
وهم الذي امتثلوا أمر ربهم عزوجل ، قال تعالى: (وقوموا لله قانتين) يعني خاشعين.
وهم الذي لا يستثغلون الصلاة إذا صلوا ، قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلوٰة وإنها لكبيرة إلا على الخـٰشعين)

القسم الثاني: من خشعت جوارحهم ولم تخشع قلوبهم.
وهؤلاء يكتب لهم من الأجر على قدر ما حضر قلب أحدهم في الصلاة كما جاء ذلك في حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الرجل ليصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عُشرها أو تُسعها أو ثُمنها أو سُبعُها)رواه أحمد(١٨٨٧٩)وصححه ابن حبان(١٨٨٦) والأرنؤوط في المسند(٣١/١٧١)

القسم الثالث: من خشعت قلوبهم ولم تخشع جوارحهم.
بمعنى أنهم يكثرون الحركة في الصلاة.
والحركة في الصلاة تنقسم إلى قسمين:
١-مشروعة: وهي الحركة لمصلحة الصلاة ، كأن يتحرك لتسوية الصف أو سد فرجة.
٢-ممنوعة: وهي الحركة لغير مصلحة الصلاة ، كأن يحك رأسه تارة ويده تارة ويعبث بلحيته تارة وهكذا ، والحركة الممنوعة لها حالتان:
مكروهة وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة.
ومحرمة وهي الحركة الكثيرة المتتابعة عرفاً لغير حاجة.

القسم الرابع: من أساء في صلاته إما بتركه شرطاً من شروط الصلاة أو ترك ركناً من أركانها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام ، دخل المسجد ، فدخل رجل فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فرد النبي عليه الصلاة والسلام عليه السلام فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ، فصلى ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ارجع فصل إنك لم تصلِّ (ثلاثاً) فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسن غيرَه فعلمني ، قال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلِّها) رواه البخاري(٧٩٣)ومسلم(٣٩٧)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح(٢/٣٢٦): استدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة ، وبه قال الجمهور.اهـ

القسم الخامس: من خشع قلبه وخشعت جوارحه ، ويأتيه الشيطان كي يلبس عليه فيدافعه ، وهذا في جهاد مع الشيطان ، والسنة أن يستعيذ بالله من الشيطان ويتفل عن يساره ثلاثاً.
عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يلبسها عليّ ، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ذاك شيطان يقال له خَنْزَب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثاً) قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني)
رواه مسلم(٢٢٠٣)

قال النووي في شرح مسلم(٢٢٠٣): في هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثاً.اهـ

-أيها الأخوة: إن الخشوع في الصلاة يحصل لمن فرغ قلبه للصلاة ، واشتغل بها عما عداها ، وأعرض عما سواها ، فهي سعادة العبد المسلم وراحته وقرة عينه.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)رواه أحمد(١٢٢٩٣)صححه الألباني في صحيح الجامع(٣١٢٤)

وعن عبدالله بن محمد ابن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار فحضرت الصلاة فقال: يا جارية ، ائتني بوضوء لعلي أُصلي فأَستريح. فرآنا أنكرنا ذاك عليه ، فقال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)رواه أحمد(٢٣١٥٤)وصححه الألباني في صحيح الجامع(٧٨٩٢)

كتبه/
بدر بن محمد العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بالحفر

٢٧ رجب ١٤٣٩هـ

كلمات في الدعوة إلى الله – النظر ما يحل منه وما يحرم

– كلمات في الدعوة إلى الله.

– الكلمة رقم(٥٩): النظر ما يحل منه وما يحرم.

-عباد الله: إن من نِعم الله عزوجل الكثيرة على خلقه ، نعمة البصر، فمن رُزق البصر رُزق نعمة عظيمة ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقد بصره ، فالواجب على العبد المسلم أن يشكر الله عزوجل على نعمة البصر ، وشكر الله عزوجل على هذه النعمة أن ينظر العبد فيما أحل الله له من النظر إليه ، ويغض بصره عما حرم الله عليه.

والنظر يا عباد الله: منه نظر ممنوع وهو ما دلت الأدلة على منعه ، ومنه نظر مشروع وهو ما دلت الألة على شرعيته:

-أما النظر الممنوع فهو: نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية لغير حاجة ، ونظر المرأة إلى عورة المرأة ، ونظر الرجل إلى عورة الرجل ، وهذا كله محرم ، وقد دلت الأدلة الشرعية على تحريمه.
قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصـٰرهم)
قال الإمام الطبري في تفسيره(١٠/١١٦): (يغضوا من أبصـٰرهم)أي يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما قد نهاهم الله عن النظر إليه.اهـ

وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام عن نظر الفُجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري)رواه مسلم(٢١٥٩)
-ونظر الفجأة هو النظر بغتة من غير قصد ، فمن وقع بصره على امرأة أجنبية بغتة من غير قصد فلا إثم عليه ويجب عليه غض بصره ، فإن استدام النظر ولم يغض بصره أثم بذلك.
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: (يا علي لا تُتبع النظرةَ النظرة ، فإن لك الأُولى ، وليست لك الآخرة)رواه أبو داود(٢١٤٨)والترمذي(٢٧٧٧)وحسنه ، وحسنه الألباني في سنن أبي داود(٢١٤٨)

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏(‏العينان تزنيان‏)‏
رواه أحمد(١/٤١٢)والطبراني في الكبير(١٠٣٠٠)قال الهيثمي في المجمع(٦/٢٥٦):إسناده جيد.
وصححه السيوطي في الجامع الصغير(٥٧٣٣)والألباني في صحيح الجامع(٤١٥٠)

وعن علقمة بن الحويرث رضي الله عنه مرفوعاً: (زنا العينين النظر)رواه ابن سعد في الطبقات(٧/٧٧) والطبراني في الكبير(٨/١٨)وصححه الألباني في صحيح الجامع(٣٥٧٥)

قال العلامة المناوي في فيض القدير(٤/٣٩٨): العينان أصل زنا الفرج ، فإنهما له رائدان وإليه داعيان ، وقد سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع ضرره ،
وقال لابن عمه علي رضي الله عنه تحذيراً مما يوقع في الفتنة ويورث الحسرة (لا تتبع النظرة النظرة).اهـ

وقال العلامة الصنعاني في التنوير(٦/٣٢٣): النظر بالعينين داعية إلى الزنا لأنه ينظر ثم يخطر ثم يخطو ثم يفعل ، ويحتمل أن إثم النظر بالنسبة إلى العين إثم الزنا لها وهو دون إثم الزنا بالفعل.اهـ

الثاني: النظر المشروع: وهو أنواع:
منه: نظر الرجل إلى زوجته أو أمته ، وهذا جائز مطلقاً.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا والنبي عليه الصلاة والسلام من إناء واحد تختلف أيدينا فيه)رواه البخاري(٢٦١)ومسلم(٣١٦)

قال العلامة العيني في عمدة القاري شرح البخاري(٣/٤٠١): قال الدراوردي: فيه جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه ، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سُئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ، فقال: سألت عطاء فقال: سألت عائشة ، فذكرت الحديث.اهـ

-ومنه: نظر الرجل إلى ذوات محارمه ، والمحارم كل من حرُم نكاحُها على التأبيد بنسب أو سبب.
كالأم والبنت والخالة والعمة وغيرهم من المحارم ، ينظر لما يخرج غالباً.

قال الإمام ابن قدامة في المغني(٩/٤٩١): ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والقدمين ونحو ذلك ، وليس له النظر إلى ما يستر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما.اهـ

-ومنه: النظر إلى المخطوبة ، وهذا جائز وينظر لما يخرج غالباً كالوجه والكفين.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال خطب رجل امرأة من الأنصار فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: (هل نظرت إليها؟) ، قال: لا ، (فأمره أن ينظر إليها)رواه مسلم(٤/١٤٢)والنسائي(٣٢٣٤)

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال خطبتُ امرأة على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال النبي عليه الصلاة السلام: (أنظرتَ إليها؟) قلت: لا ، قال: (فانظر إليها ، فإنه أجدر أن يُؤدَم بينكما)رواه النسائي(٣٢٣٥) وابن ماجه(١٨٦٦)صححه البوصيري في الزوائد(١١٨)والألباني في سنن النسائي(٣٢٣٥)
ومعنى قوله(أن يؤدم)أي يوفق ويؤلف بينكما.

قال الإمام ابن قدامة في المغني(٩/٤٨٩): لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها ، ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها ، ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة.اهـ

-ومنه: النظر للحاجة ، كنظر الطبيب للمريضة ، ونظر القاضي للمرأة ، ونظر الشاهد إلى المشهود عليها ، فهذا جائز للحاجة ، نص عليه الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أهل العلم.

قال الحافظ النووي في شرح مسلم(٤٥/٢١٥٩):
قال القاضي: قال العلماء: يجب على الرجل غض البصر عن المرأة في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وغيرهما وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة.اهـ

-عباد الله: اعلموا أنه كما أمر الله عزوجل المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حَرّم عليهم ، كذلك أمر المؤمنات بغض البصر عما حرّم عليهن ، قال تعالى: (وقل للمؤمنـٰت يغضضن من أبصـٰرهن)
قال الإمام الطبري في تفسيره(١٠/١١٧): أي قل يا محمد عليه الصلاة والسلام للمؤمنات من أمتك يغضضن من أبصارهن ، عما يكره الله النظر إليه ، مما نهاكم عن النظر إليه.اهـ

فلا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال الأجانب ، ويجب عليها غض بصرها ، ونص الإمام أحمد في رواية عنه أنه لا يباح للمرأة النظر إلى الرجل ، ذكره المرداوي في الإنصاف(٢٠/٥١)

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت أنا وميمونة رضي الله عنه عند النبي عليه الصلاة والسلام فجاء ابن أم مكتوم رضي الله عنه يستأذن ، وذلك بعد أن ضُرب الحجاب ، فقال: (قوما) فقلنا: إنه مكفوف ولا يُبصرنا ، قال: (أَفَعَمْياوان أنتما لا تُبصرانه؟)رواه الترمذي(٢٧٧٨)وصححه ، وابن حبان في صحيحه(٥٥٤٨)وقوى سنده الحافظ ابن حجر في الفتح(٩/٢٤٨)

قال الحافظ ابن حبان في صحيحه(٥٥٤٨): فيه دليل على أن النساء محرم عليهن النظر إلى الرجال ، إلا أن يكونوا لهن بمحرم سواء كانوا مكفوفين أو بصراء.اهـ

-والله أعلم

كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية

٢٠ رجب ١٤٣٩هـ