الرد على مقال (نعم نحتفل بمولده)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد:
فهذا رد على مقال بعنوان ( نعم نحتفل بمولده) كتبه الصوفي عبدالرحيم الركيني السوداني ، وذكر في مقاله عدة من الشبهه في جواز الإحتفال بالمولد النبوي ، فرددت على ما كتب بالأدلة والبراهين والله الموفق إلى سواء السبيل.
@- قال عبدالرحيم الركيني: ما معنى الإحتفال به ﷺ؟ هو التعبير عن الفرح برسول الله ﷺ، والفرح به ﷺ مطلوب بأمر القرءان من قوله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: فضل الله العلم ورحمته محمد ﷺ
قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والفرح به ﷺ يكون طول العام ولكن يشتد في أيام ميلاده ﷺ.اهـ
– يجاب عليه بما يلي:
أولاً: هل استدل أحد من الأئمة بهذه الآيات على مشروعية المولد؟! ، وهل فسر أحد من المفسرين المعتبرين هذه الآيات بهذا التفسير الذي ذكرته!؟
ثانياً: هل الاحتفال بالمولد عبادة أم عادة؟
إن قلت: عبادة.
فقد رددت كلام الله ، قال تعالى (اليوم أكملت لكمـ دينكمـ وأتممت عليكمـ نعمتي)
الشريعة كاملة من عند الله فليست بحاجة إلى تكميل من البشر ،
والأصل في باب العبادات التوقيف فمن قال: إن هذه العبادة مشروعة فعليه أن يأتي بالدليل الشرعي الدال على مشروعيتها وإلا فهي مردودة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام(مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
رواه البخاري(٢٦٩٧) ومسلم(١٧١٨)
وإن قلت: إن الاحتفال به عادة لا عبادة.
يرد عليك بقول النبي عليه الصلاة والسلام
(مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
رواه البخاري(٢٦٩٧) ومسلم(١٧١٨)
ومن المعلوم أن (مَن) من ألفاظ العموم ، أي كل عمل.
@- قال الركيني: ما هي البدعة الضلالة؟
البدعة هي المُحدَث، قال ﷺ: (فإن كل مُحدثة بدعة).
ما هو المُحدَث؟
المُحدَثُ هو المنهي عنه شرعاً ولا يشمل المسكوت عنه، قال ﷺ: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد) وروى الدارقطني وفي الأربعين النووية قال ﷺ: (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) وليس هنالك نهي عن الاحتفال، إذن ليس بدعة.اهـ
– يجاب عليه:
واضح من كلامه أنه لا يعرف ما هو تعريف البدعة ، وهذا ليس بغريب على أصحاب الجهل المركب.
البدعة لغة: مأخوذة من البَدع ، وهو الاختراع على غير مثال سابق.
واصطلاحاً: إحداث عبادة قولية أو فعلية أو عقيدة لم يشرعها الله سبحانه وتعالى.
وأما حديث: (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)
رواه الدارقطني في سننه(٤٣٩٦) عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه ، ومكحول لم يسمع من أبي ثعلبة ، وقد أعله الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/١٥٠).
والحديث ليس فيه دلالة على مشروعية المولد ، كما ادعى الركيني ، وهذا من عجيب صنيعه ،
الحديث فيه بيان أن المسكوت عنه مباح ، والمباح نوعان ، كما هو معلوم في علم الأصول ،
النوع الأول: مباح باقٍ على إباحته.
والنوع الثاني: مباح غير باقٍ على إباحته.
وهو ما خرج عن الإباحة بسبب من الأسباب
والموالد فيها تشبه بالكفار ، لأن النصارى يحتفلون بعيد عيسى عليه السلام ، والتشبه بالكفار محرم.
فالحديث ليس فيه ما يؤيد كلام الركيني.
@- قال الركيني: هل في الشرع بدعة حسنة؟
نعم روى مسلم، قال ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة عُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيئ). معنى عُمل بها بعده: لم يسبقه عليها أحد من العالمين.
وروى البخاري أن سيدنا عمر رضي الله عنه جمع صلاة التراويح خلف إمام واحد، ثم قال: نعم البدعة هذه. ونحن الآن بل وجميع المسلمين نصلي في أواخر رمضان صلاة التهجد بعد التراويح وفي جماعة، ولم يفعل هذا جماعة من الصحابة، ولكن تبعاً لقول سيدنا عمر رضي الله عنه نعم البدعة هذه.
– يجاب عليه:
ليس في الشرع بدعة حسنة وبدعة سيئة
بل كل بدعة ضلالة ، كما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:( فإن كل بدعة ضلالة)
رواه أحمد(١٧١٤٢) وأبو داود(٤٦٠٧)وصححه الترمذي(٢٦٧٦) وابن حبان(٥) والحاكم(١/٩٧)
ولفظة (كل) من ألفاظ العموم كما هو المعلوم في علم أصول الفقه.
وقال ابن عمر رضي الله عنها ( كل بدعة ضلالة وإن رأها الناس حسنة) رواه ابن بطة في الإبانة(١٢٠)
وقال الإمام الشاطبي في الإعتصام(١/٤٩):
قال ابن الماجشون سمعت مالكاً يقول من ابتدع في الاسلام بدعة يراها حسنه فقد زعم أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – خان الرسالة لأن الله يقول: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.اهـ
قال العلامة الفوزان في عقيدة التوحيد(٢١٧):
من قسّم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ،
فهو مخطئ ومخالف لقوله عليه الصلاة والسلام
(فإن كل بدعة ضلالة) لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حكم على البدع كلها بأنها ضلالة.اهـ
وأما حديث (من سن في الإسلام سنة حسنة…)
الحديث له قصة
عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطئوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ»
رواه مسلم (١٠١٧)
الحديث جاء في الصدقة ، والصحابي رضي الله عنه بدأ في الصدقة فسن سنة حسنة.
وأما قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح ، صلاة التراويح سنة عند عامة أهل العلم ، صلاها النبي عليه الصلاة والسلام وصلاها أصحابه من بعده ، فليس فيها ما يدل على مشروعية البدع.
قال العلامة صالح الفوزان في عقيدة التوحيد(٢١٨): قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة) يريد البدعة اللغوية لا الشرعية ، فما كان له أصل في الشرع يُرجع إليه إذا قيل إنه بدعة فهو بدعة لغة لا شرعاً ، لأن البدع شرعاً: ما ليس له أصل في الشرع ، والتراويح قد صلاها النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه ليالي ، وتخلّف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم ، واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعاً متفرقين
في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته
إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على إمام واحد كما كانوا خلف النبي عليه الصلاة والسلام وليس هذا بدعة في الدين.اهـ
@- قال الركيني: هل القرءان يعظم أيام ميلاد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟
نعم يعظمها، قال تعالى عن يوم ميلاد سيدنا يحيى عليه السلام: (وسلام عليه يوم ولد) وقال تعالى عن ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام على لسانه: (والسلام عليَّ يوم ولدت) إذن فأولى تعظيم ميلاد إمام المرسلين وخاتم النبيين ﷺ.
– يجاب عليه:
أين موضع التعظيم في الآيات لأيام ميلاد الأنبياء عليهم السلام؟! ، ومَنْ مِن الأئمة المعتبرين قال بقولك؟!
معنى الآية الكريمة:(والسلام علي يوم ولدت) أي أن الله تعالى سلم عيسى عليه السلام من الشيطان يوم ولادته.
قال الإمام الطبري في تفسيره (٨/٣٤٠):
وقوله {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً} يقول: والأمن من الله عليَّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة ، من الطعن فيه ، ويوم أموت ، من هول المطلع ، ويوم أبعث حياً يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم.اهـ
@- قال الركيني: هل هنالك شك في تاريخ ميلاد النبي ﷺ؟
لا يوجد شك في هذا التاريخ، قال جمهور العلماء إن أصح الروايات إسناداً أنه ﷺ ولد يوم الأثنين ثاني عشر ربيع الأول لعام الفيل.
يجاب على قوله:
أين السند الصحيح في مولده عليه الصلاة والسلام؟! ، من المعلوم أن أهل العلم تنازعوا في مولده عليه الصلاة والسلام
قيل: التاسع من ربيع الأول ، وقيل الثاني عشر
وقيل غير ذلك.
وأول من خصص مولده بالثاني عشر وأشهره بين الناس هم الفاطميون الشيعة.
قال العلامة المقريزي في المواعظ والاعتبار(٢٣٦): وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعيادٌ ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أوّل العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.اهـ
قال لي العالم الفلكي صالح العجيري: ثبت لدينا بعد البحث أنه ولد في التاسع من ربيع الأول
وهذا هو المشهور عند أهل الحساب ، خلافاً لما صنعه الفاطميون.اهـ
@- قال الركيني هل كان النبي ﷺ يعظم يوم ميلاده؟
نعم، روى مسلم: سئل ﷺ عن صيام يوم الاثنين فأجاب ﷺ قائلاً: (ذاك يوم فيه ولدت).
– يجاب عليه:
ما وجه التعظيم في الحديث؟! ، النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه كان يصوم يوم اثنين
لعدة أسباب ، لأنه يوم ولد فيه ويوم بعث فيه ويوم أنزل فيه الوحي.
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه )
رواه مسلم (١١٦٢)
وأيضاً تُعرض أعمال العباد يوم الإثنين والخميس
كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )
رواه الترمذي (٧٤٧) وقال: حديث حسن.
صححه الألباني في سنن الترمذي(٧٤٧)
فليس في الحديث دلالة على مشروعية الاحتفال المولد.
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه كان يصوم يوم الإثنين ولم يخبر أنه كان يحتفل به ، كما يدعي الركيني.
قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
فعلامة محبة النبي عليه الصلاة والسلام باتباع سنته ، لا بالإعراض عنها واتباع البدع.
@- قال الركيني: هل ذبح النبي ﷺ في ذكرى ميلاده بعد أن أتته الرسالة وجمع الصحابة للطعام؟
نعم، أورد البيهقي وحسنه السيوطي عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي ﷺ عقَّ عن نفسه بعد النبوة)، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عقَّ عنه في سابع ولادته ﷺ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ولكن هذا لتشريع الذبح أو الصدقات في مثل هذا اليوم.اهـ
يجاب على قوله:
حديث أنس ، ليس فيه دلالة على مشروعية الإحتفال بالمولد ، كما يدعي الركيني.
الحديث استدل به أهل العلم على جواز أن يعق المرء عن نفسه إذا لم يعق عنه والده.
@- قال الركيني: هل نخالف اليهود والنصارى في تعظيم الأنبياء والرسل عليهم السلام؟
نحن أولى بالأنبياء والرسل عليهم السلام منهم، جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله ﷺ: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟) فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه. فقال رسول الله ﷺ: (نحن أحق وأولى بموسى منكم)، فصامه وأمر بصيامه، لكنه لم يقل ﷺ اتركوا عاشوراء وخالفوا اليهود، بل قال رسول الله ﷺ: (إذا كان العام القادم صمنا ما قبله)، بمعنى استقبلنا عاشوراء بصيام اليوم الذي قبله ثم صمناه. فعظمه ﷺ أكثر مما كان يعظمه اليهود. وبالتالي نحن أولى بعيسى منهم وأولى بنبينا ﷺ منهم.اهـ
يجاب على قوله:
ما وجه الدلالة من صيام يوم عاشوراء بمشروعية الإحتفال بالمولد؟!
ثم صيام يوم عاشوراء صامه النبي عليه الصلاة والسلام وأمر بصيامه ،
والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى
قال سبحانه تعالى عن رسوله عليه الصلاة والسلام: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
@- قال الركيني: هل الإجتماع للعلم والذكر ثابت شرعاً؟
نعم، قال رسول الله ﷺ: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال حِلَق الذكر، وفي رواية حِلَق العلم. وان ساحة المولد مملوءة بالذكر ومملوءة بالعلم متمثلاً في قصة سيرة رسول الله ﷺ، قال تعالى: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) إذاً ساحات المولد رياض جنة وتثبيت إيمان، فاتركوا الاختلاط ما استطعتم.اهـ
يجاب عليه:
سبحان الله ما هذا الخلط العجيب ، فإن احداث البدع في المساجد ليس من حلق الذكر ، كما يدعي هذا الصوفي.
وقد أنكر هذا الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
عن عمرو بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد. فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا لا. فجلس معنا حتى خرج. فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا. قال فما هو؟ فقال إن عشت فستراه قال رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل. وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مئة فيكبرون مئة فيقول هللوا مئة فيهللون مئة ويقول سبحوا مئة فيسبحون مئة.
قال فماذا قلت لهم؟ قال ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر. والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال وكم من مريد للخير لن يصيبه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، و أيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج).
رواه الدارمي في مسنده (٢١٠) بسند جيد.
@- قال الركيني: هل الصحابة رضي الله عنهم مدحوا رسول الله ﷺ في المسجد النبوي الشريف؟
نعم، وكان ذاك في حياته ﷺ وبعد وفاته، جاء في صحيح مسلم قول حسان بن ثابت لسيدنا عمر وهو يمدح في المسجد النبوي الشريف: (كنت أمدح وفيه من هو خير منك) ولم يقصد سيدنا عمر الإنكار إنما يقصد التأصيل لهذه الفعلة المباركة، فقال حسان: (أنشدك الله يا أبا هريرة، أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: نافح عني يا حسان إن روح القُدُس لا يزال يؤيدك ما نافحتَ عن الله ورسوله؟) إذا جاز المدح في المسجد النبوي الشريف فأولى بقية المساجد بالجواز.اهـ
يجاب على قوله:
ما وجه الدلالة من هذه الأخبار على مشروعية الإحتفال بالمولد؟!
حسان رضي الله عنه شعره في مدح الإسلام والذب عن النبي عليه الصلاة والسلام والرد على المشركين ، وكان بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام وليس في شعره غلو ولا إطراء
بخلاف أشعار أصحاب الموالد فإن في أشعارهم من المحظورات الشرعية الشيء الكثير.
@- قال الركيني: هل ضُرب الدُّف –أي الطار– في بيت رسول الله ﷺ؟
نعم، جاء في صحيح البخاري: ضرب الدف في بيت رسول الله ﷺ ومدح به أهل بدر، وصوت
الدف –أي الطار– يهز ويرز في المسجد النبوي الشريف، وفى حياته ﷺ.اهـ
يجاب عليه:
ضُرب الدف في بيت النبي عليه الصلاة والسلام يوم عيد ، وكان من بعض الجواري الصغار ، وأنكر عليهن أبو بكر الصديق
رضي الله عنه ، وقال بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام (مزمار الشيطان يضرب في بيت النبي) ، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام ، أنه مزمار الشيطان.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان من جوار الأنصار وفي رواية: قينتان في أيام منى تدففان وتضربان تغنيان بغناء وفي رواية: بما تقاولت وفي أخرى: تقاذفت الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرني وفي رواية: فانتهرهما وقال: مزمارة وفي رواية: مزمار الشيطان عند وفي رواية: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين؟.
فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: “دعهما” يا أبا بكر “إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا)
رواه البخاري(٥٠٨) وغيره.
– ولم يأتِ في شيء من الروايات (أن صوت الدف يهز ويرز في المسجد النبوي) هذا شيء جاء به الركيني من جيبه.
@- قال الركيني: هل الصحابة والسلف الصالح تتغير أحوالهم ويبكون عند ذكر رسول الله ﷺ؟
نعم، كانوا يبكون عند ذكر رسول الله ﷺ. أورد القاضي عياض واخرج بن عساكر: خرج عمر بن الخطاب ليلة يحرس، فسمع عجوزاً تنشد شعراً في مدح رسول الله ﷺ فجلس عمر يبكى. واخرج ابن سعد أن ابن عمر يبكي كل ما ذكر رسول الله ﷺ. وروى ابن سعد أن أنس يبكي عند ذكر رسول الله ﷺ. وقال مالك: كنت آتى عامر بن عبد الله بن الزبير, فإذا ذكر عنده النبي ﷺ بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع. وكان قتادة -المفسر- يأخذه العويل -أي البكاء بشدة- عند ذكر النبي ﷺ، فهذه أحوال سلفنا الصالح عند ذكر الحبيب ﷺ شعراً ونثراً. فكل هذه من أفعال الفرقة الناجية الصحابية عليهم رضوان الله تعالى.اهـ
– يجاب على قوله:
ما وجه الدلالة من هذه الآثار على مشروعية الإحتفال بالمولد ، ومَن قال بهذا القول قبلك من أهل العلم المعتبرين؟!
لاشك أنه لا أحد.
لأنه لم يثبت أبداً عن أحد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم الاحتفال بالمولد (ولو كان خيراً لسبقونا إليه).
قال شيخ الإسلام في الإقتضاء(٢/٦١٥):
اتخاذ مولد النبي عليه الصلاة والسلام عيداً لم يفعله السلف ولو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة للنبي عليه الصلاة والسلام وتعظيماً له منا وهم على الخير أحرص وإنما محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً.اهـ
@- قال الركيني: ما هو رأي ابن تيمية في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
قال ابن تيمية: (فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ﷺ)، كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية.اهـ
يجاب على قوله:
بأن ما نقله عن شيخ الإسلام فيه بتر لكلامه ، وبتر النصوص عادة من عادات أهل الأهواء.
وتمام كلام شيخ الإسلام:
قال رحمه الله في الاقتضاء(٢/١٢٣): عن اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده: “فإن هذا لم يفعله السَّلَفُ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضاً، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.اهـ
ولشيخ الإسلام رحمه الله كلاماً أخر بيّن فيه بدعية المولد.
قال رحمه الله في مجموع الفتاوى(٢٥/٢٩٨):
وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يُسميه الجهال “عيد الأبرار”، فإنها مِن البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها.اهـ
كتبه/
بدر بن محمد البدر العنزي
عضو الدعوة والإرشاد بحفر الباطن.
٤/٣/١٤٣٧هـ