-كلمات في الدعوة إلى الله.
-الكلمة رقم(٥٧): مكارم الأخلاق.
-أيها الأخوة: اعلموا رحمكم الله أن لكل إنسان صورة ظاهرة وأُخرى باطنة.
الصورة الظاهرة: هي الخِلقة بكسر الخاء.
والباطنة: هي الخُلُق بضم الخاء.
والخُلق منه ما هو حسن ممدوح ومنه ما هو سيء مذموم.
والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه بُعث ليتمم للناس مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن مساوي الأخلاق ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)وفي لفظ(صالح الأخلاق)رواه البخاري في الأدب المفرد(٢٧٣)وابن سعد في الطبقات(١/١٩٢)والحاكم(٢/٦١٣)وقال: صحيح على شرط مسلم. وصححه ابن بدران في شرح الشهاب(٧٤٠)والألباني في الصحيحة(٤٥)
-دل هذا الحديث بمنطوقه أن الله عزوجل بعث نبيه عليه الصلاة والسلام ليتمم للناس مكارم الأخلاق وهو أفضلها وأحسنها ، ودل بمفهومه على النهي عن مساوي الأخلاق وهو أقبحها وأرذلها.
قال العلامة ابن بدران في شرح الشهاب(٧٤٠): قال ابن عبدالبر: الأنبياء جاؤوا بمكارم الأخلاق ، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بتمامها وضم متفرقها.اهـ
-فينبغي على كل مسلم ومسلمة التحلي بمكارم الأخلاق وأفضلها واجتناب مساويها وأقبحها ، ومكارم الأخلاق كثيرة دلت عليها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، منها:
١-حفظ الأمانة ، سواء كانت أمانة عمل أو أمانة مال أو غيرهما من الأمانات ، فحفظ الأمانة من مكارم الأخلاق ، وهو علامة من علامات أهل الإيمان.
قال سبحانه تعالى في وصف عباده المؤمنين: (والذين همـ لأمـٰنـٰتهمـ وعهدهمـ رٰعون)
وضياع الأمانة من مساوي الأخلاق وهو علامة علامات أهل النفاق.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في وصف المنافق:(وإذا ائتمن خان)
رواه البخاري(٣٣) ومسلم(٥٩)عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام:( لا إيمان لمن لا أمانة له) رواه أحمد(١٢٣٢٥) وصححه ابن حبان(١٩٤)
و قوى سنده الذهبي كما في فيض القدير(٦/٣٨١)
وحسنه الهيثمي في المجمع(١/٩٦)
وصححه الألباني في صحيح الجامع(٧١٧٩)
٢-ومنها: مقابلة الإساءة بالعفو والصفح ، فإن العفو والصفح عن المسيء فعل ممدوح ومحمود مرغب فيه ، وهو من مكارم الأخلاق.
قال تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
وقال تعالى: (والكـٰظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم(٢٥٨٨)
قال الحافظ النووي في شرح مسلم(٦٩-٢٥٨٨): قوله: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)فيه وجهان: أحدهما: أنه على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاده عزه ، والثاني: أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.اهـ
٣-منها: بذل النصح ، فإن بذل النصح لمن طلب النصحية من مكارم أخلاق ، وهو من الدين ،
قال تميم الداري رضي الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة) قلنا لمن
قال (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم(٥٥)
وعن جرير البجلي رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم) رواه البخاري(٢٧٥٣) ومسلم(٢٠٨)
٤-ومنها: صدق اللسان ، فإن الصدق من مكارم الأخلاق ، ومأمور فيه شرعاً ، قال الله عزوجل: (يـٰأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصـٰدقين)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً) رواه البخاري(٦٠٩٤) ومسلم(٢٦٠٧) وفي لفظ لمسلم(عليكم بالصدق).
٥-ومنها: التواضع مع الجميع مع الصغير والكبير والغني والفقير ، فإن التواضع من مكارم الأخلاق ، عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)رواه مسلم(٢٨٦٥)
و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) رواه مسلم(٢٥٨٨)
قال الحافظ النووي في شرح مسلم(٦٩-٢٥٨٨): قوله: (ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) فيه وجهان: أحدهما: يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس ، والثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا ، وقد يكون المراد الوجهين معاً في جميعها في الدنيا والآخرة.اهـ
٦-ومنها: الإحسان إلى الناس ، فمن مكارم الأخلاق الإحسان إلى الخلق.
قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:(إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم(١٩٥٥)
٧-ومنها: إفشاء السلام ، فمن مكارم الأخلاق إفشاء على من تعرف ومن لا تعرف.
عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يا أيها الناس ، أفشوا السلام…) رواه الترمذي(٢٤٨٥)وصححه ، وصححه الألباني في سنن الترمذي(٢٤٨٥)
إفشاء السلام يعني نشره بين الناس ، فتسلم على كل مسلم تعرفه أو لا تعرفه ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف)رواه البخاري(١٢) ومسلم(٣٩)
قال الحافظ النووي في شرح مسلم(١/١١٨):
قوله(وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف) أي تسلم على كل من لقيته ، عرفته أم لم تعرفه ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثيرون من الناس.اهـ
٨-ومنها: الكرم ، فمن مكارم الأخلاق أن يكون المرء كريماً سخياً باذلاً ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت: يا رسول الله إنه ليس لي من شيء إلا ما أدخل علي الزبير أفأُعطي؟ قال: (نعم ، ولا تُوكي فيُوكى عليكِ)رواه الترمذي(١٩٦٠)وقال: حسن صحيح.
وصححه الألباني في سنن الترمذي(١٩٦٠)
قال العلامة ابن الأثير في النهاية(٢/٨٧٧): حديث أسماء (لا تُوكي فيُوكى عليكِ)أي لا تدخري وتَشُدي ما عندك وتمنعي ما في يديك فتنقطع مادة الرزق عنك.اهـ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه)رواه البخاري(٦٤٧٥)ومسلم(٤٧)
وعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (يا أيها الناس ، أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي(٢٤٨٥)وصححه ، وصححه الألباني في سنن الترمذي(٢٤٨٥)
٩-حفظ اللسان عن قيل وقال ، فمن مكارم الأخلاق أن يحفظ المرء لسانه عن قيل كذا وقال فلان كذا وقيل عنه كذا وكذا ، عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله كره لكم قيل وقال)رواه البخاري(٥٩٧٥)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح(١٠/٤٢١): قيل وقال: من قولهم قيل كذا وقال كذا.اهـ
١٠-طلاقة الوجه ، فمن مكارم الأخلاق طلاقة الوجه والتبسم في وجه أخيك المسلم ، عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً: (وتبسُّمُك في وجه أخيك لك صدقة) رواه الترمذي(١٩٥٦) وحسنه
وصححه الألباني في صحيح الجامع(٢٩٠٨)
قال العلامة المباركفوري في التحفة(٥/٣٧٠): قوله(تبسمك في وجه أخيك) في الدين(لك صدقة) يعني إظهارك البشاشة إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة.اهـ
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه مرفوعاً: (كُلُ معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تَلقى أخاك بوجه طلق) رواه الترمذي(١٩٧٠) وقال: حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في سنن الترمذي(١٩٧٠)
-والله أعلم
كتبه/
بدر بن محمد بدر العنزي
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية.
٦ رجب ١٤٣٩هـ